للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدرنا إمكان ظهور أبي بكر آخر وعمر آخر، فلن تتاح له بيئة كالبيئة التي أتاحها الله لأبي بكر وعمر.

وإن كان مقياس الأهلية، الاستقامة في السيرة، والقيام بحرمة الشريعة، والعمل بأحكامها، والعدل في الناس، والنظر في مصالحهم، والجهاد في عدوهم، وتوسيع الآفاق لدعوتهم، والرفق بأفرادهم وجماعاتهم، فإن يزيد يوم تُمحّص أخباره، ويقف الناس على حقيقة حاله كما كان في حياته، يتبين من ذلك أنه لم يكن دون كثيرين ممن تغنى التاريخ بمحامدهم، وأجزل الثناء عليهم».

٨ - نجد أيضًا في كلمات معاوية نفسه ما يدل على أن دافعه في اتخاذ مثل هذه الخطوة هو النفع للصالح العام وليس الخاص، فقد ورد على لسانه قوله: «اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيتُ من فضله، فبلّغه ما أملْتُ وأعِنْه، وإن كانت إنما حملني حبّ الوالد لولده، وأنه ليس لما صنعت به أهلًا، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك» (١).

٩ - لنتصور أن معاوية - رضي الله عنه - سلك إحدى الأمور الثلاث الآتية:

* ترك الناس بدون خليفة من بعده، مثلما فعل حفيده معاوية بن يزيد.

* نادَى في كل مَصر من الأمصار بأن يرشحوا لهم نائبًا ثم يختاروا من هؤلاء المرشحين خليفة.

* جعل يزيد هو المرشح، وبايعه الناس كما فعل.

ولنأخذ الأمر الأول:

كيف ستكون حالة المسلمين لو أن معاوية تناسى هذا الموضوع، وتركه ولم يرشح أحدًا لخلافة المسلمين حتى تُوُفّي.

قد يغلب على الظن أن الوضع سيكون أسوأ من ذلك الوضع الذي أعقب تصريح معاوية بن يزيد بتنازله عن الخلافة، وترك الناس في هرج ومرج، حتى


(١) تاريخ الإسلام للذهبي، عهد معاوية بن أبي سفيان (ص١٦٩)، وخطط الشام لمحمد كرد علي (١/ ١٣٧).

<<  <   >  >>