للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى»، فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا، فَقَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: «أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟».

فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَلَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» (رواه مسلم).

قال الإمام النووي في شرحه لهذه الأحاديث من صحيح مسلم:

«مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا عَنْ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا كَانَا يَعْتَقِدَانِ أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَأَنَّهُ يَجُوز بَيْع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ، وَدِينَار بِدِينَارَيْنِ، وَصَاع تَمْر بِصَاعَيْنِ مِنْ التَّمْر، وَكَذَا الْحِنْطَة وَسَائِر الرِّبَوِيَّات، كَانَا يَرَيَانِ جَوَاز بَيْع الْجِنْس بَعْضه بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا، وَأَنَّ الرِّبَا لَا يَحْرُم فِي شَيْء مِنْ الْأَشْيَاء إِلَّا إِذَا كَانَ نَسِيئَة.

وَهَذَا مَعْنَى قَوْله: «إِنَّهُ سَأَلَهُمَا عَنْ الصَّرْف فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا»، يَعْنِي الصَّرْف مُتَفَاضِلًا كَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَانَ مُعْتَمَدهمَا حَدِيث أُسَامَة بْن زَيْد: «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة» ثُمَّ رَجَعَ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس عَنْ ذَلِكَ وَقَالَا بِتَحْرِيمِ بَيْع الْجِنْس بَعْضه بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا حِين بَلَغَهُمَا حَدِيث أَبِي سَعِيد كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم مِنْ رُجُوعهمَا صَرِيحًا.

وَهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم تَدُلّ عَلَى أَنَّ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُمَا حَدِيث النَّهْي عَنْ التَّفَاضُل فِي غَيْر النَّسِيئَة، فَلَمَّا بَلَغَهُمَا رَجَعَا إِلَيْهِ.

وَأَمَّا حَدِيث أُسَامَة: «لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَة» فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَرْك الْعَمَل بِظَاهِرِهِ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى نَسْخه.

وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ تَأْوِيلَات:

أَحَدهَا: أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى غَيْر الرِّبَوِيَّات، وَهُوَ كَبَيْعِ الدَّيْن بِالدَّيْنِ مُؤَجَّلًا بِأَنْ يَكُون لَهُ عِنْده ثَوْب مَوْصُوف، فَيَبِيعهُ بِعَبْدٍ مَوْصُوف مُؤَجَّلًا، فَإِنْ بَاعَهُ بِهِ حَالًّا جَازَ.

<<  <   >  >>