للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ فِي عُيُونِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا؟».

قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا.

قَالَ: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟».

قَالَ: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ؟ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ».

قَالَ: فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ».

قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم:

(الْعُرْض) بِضَمِّ الْعَيْن وَإِسْكَان الرَّاء هُوَ الْجَانِب وَالنَّاحِيَة، (وَتَنْحِتُونَ) بِكَسْرِ الْحَاء أَيْ تُقَشِّرُونَ وَتُقَطِّعُونَ. وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام كَرَاهَة إِكْثَار الْمَهْر بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَال الزَّوْج.

ت ـ هذه الآية التي استدلت بها المرأة {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (النساء:٢٠) معترضَةً بمفهومها على عمر - رضي الله عنه - في نهيه عن المغالاة في مهور النساء، لا تنافي توجيه عمر، فغاية ما تدل عليه جواز دفع القادر على الصداق الكثير المنوه عنه بالآية بالقنطار، لا تكليف العاجز ما لا يقدر عليه أو يستطيعه، بدليل إنكار النبي على الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أواق صنيعهما لكون ذلك لا يتناسب وحالهما أو لكثرته، هذا فيما لو كانت الآية تدل على المغالاة في المهور.

أما وأنها لا تدل على إباحة المغالاة في الصداق لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة، قال القرطبي - رحمه الله - بعد أن حكى قول من أجاز المغالاة في المهور: «وقال قوم: لا تعطي الآية جواز المغالاة، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» (١).


(١) تفسير القرطبي عند تفسير هذه الآية، والحديث رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.

<<  <   >  >>