للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما المراد العمل بما ثبت من السنة النبوية، وذلك من وجهين:

أحدهما: أن السبب الذي جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة بدليل ما ثبت في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في صدر النهار فجاء قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مُضر بل كلهم من مضر، فتمعّر وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما رأي بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: «{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخر الآية: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١] والآية التي في الحشر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: ١٨] تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره»، حتى قال: «ولو بشق تمرة»، قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومَين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ... » إلخ الحديث (١).

فتأملوا أين قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة ... » تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه حتى بتلك الصرة فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فسُرَّ بذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة ... » الحديث، فدل على أن السنة ها هنا مثل ما فعل ذلك الصحابي، وهو العمل بما ثبت كونه سنة.

الوجه الثاني من وجهي الجواب: أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة ... » لا يمكن حمله على الاختراع من أصل، لأن كونها حسنة أو سيئة لا


(١) رواه الإمام مسلم (١٠١٧) مجتابى النمار: خرقوها وقوروا وسطها، النمار: ثياب صوف، تمعر: تغير.

<<  <   >  >>