للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صُحُفاً مُطَهَّرَة} [البينة: ٢] وقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» (١)، لكنها كانت مفرقة، كما يدل على ذلك قول زيد بن ثابت - رضي الله عنه - في قصة جمع القرآن التي رواها الإمام البخاري: «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال».

ثانياً: إن جمع القرآن لم يأت به الصحابة من تلقاء أنفسهم، بل هو تحقيق لوعد الله تعالى أيضاً بجمعه؛ كما وعد بحفظه: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: ١٧]، فإذا جمعنا بين الآيتين؛ تبين لنا يقيناً أصل عظيم وهو أن الذي شرع الغاية لم ينس الوسيلة، فكما أن حفظ القرآن غاية شرعها الله، كذلك جَمْعه وسيلة بيّنها الله، فكان على عهد النبوة مكتوباً في الصحف التي هي العسب واللخاف (٢) وكذلك صدور الرجال، فلما رأى الصحابة أن القتل استحرَّ بالقراء يوم اليمامة؛ لجؤوا إلى الوسائل الأخرى التي كان القرآن مكتوباً فيها، فجمعوها، وكان ذلك إيذاناً من الله بتحقيق جمع القرآن وحفظه.

ثالثاً: إن اتفاق الصحابة وقع على جمع القرآن وذلك إجماع منهم وهو حجة بلا ريب كيف وهم القوم لا يجتمعون على ضلالة؟! وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنَّ اللهَ ـ تعالى ـ لا يَجمعُ أُمَّتي على ضلالةٍ» (٣).

رابعاً: إن حاصل ما فعله الصحابة وسائل لحفظ أمر ضروري، أو دفع ضرر اختلاف المسلمين في القرآن، والأمر الأول من باب «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، والأمر الثاني من باب «درء المفاسد، وسد الذرائع» وهي قواعد أصولية مستنبطة من الكتاب والسنة.

فإن قيل: فلماذا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قيل: لوجود المانع، وهو أن القرآن


(١) رواه الإمام مسلم (٣٠٠٤).
(٢) العسب جمع عسيب وهو جريد النخل، و (اللخاف) كلِحاف: حجارة بيض رقاق، واحدتها لخفة، كسمكة.
(٣) رواه الإمام الحاكم في المستدرك، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (١٨٤٨).

<<  <   >  >>