للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واضمحل، وقول الشاعر:

ألم تسأل فتخبرك الديار ... ... ... عن الحي المضلل أين ساروا

أي عن الحي الذي غاب واضمحل، ومن هنا سمي الدفن إضلالاً؛ لأن مآل الميت المدفون إلى أن تختلط عظامه بالأرض، فيضل فيها كما يضل السمن في الطعام. ومن إطلاق الضلال على الدفن قول نابغه ذبيان:

فآب مضلوه بعين جلية ... ... ... وغودو بالجولان حزم ونائل

فقوله «مضلوه» يعني دافنيه في قبره.

ومن هذا المعنى قوله تعالى: {وَقَالُواْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الاٌّرْضِ أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ}. فمعنى {ضَلَلْنَا فِى الاٌّرْضِ} أنهم اختلطت عظامهم الرميم بها لغابت واستهلكت فيها.

الثالث: الضلال بمعنى الذهاب عن علم حقيقة الأمر المطابقة للواقع، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى} أي ذاهباً عما تعلمه الآن من العلوم والمعارف التي لا تعرف إلا بالوحي فهداك إلى تلك العلوم والمعارف بالوحي. وحدد هذا المعنى قوله تعالى عن أولاد يعقوب: {قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} أي ذهابك عن العلم بحقيقة أمر يوسف، ومن أجل ذلك تطمع في رجوعه إليك، وذلك لا طمع فيه على أظهر التفسيرات وقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا} أي نذهب عن حقيقة علم المشهود به بنسيان أو نحوه، بدليل قوله {فَتُذَكّرَ أَحَدُهُمَا الاْخْرَى}، وقوله تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى فِى كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّى وَلاَ يَنسَى} ومن هذا المعنى قول الشاعر:

وتظن سلمى أنثى أبغى بها ... ... ... بدلاً أراها في الضلال تهيم

فقوله «أراها في الضلال» أي الذهاب عن علم حقيقة الأمر حيث تظنني أبغى بها بدلاً، والواقع بخلاف ذلك] (١).


(١) - (٤/ ٢٠٩: ٢١١) (الكهف/١٠٣: ١٠٥)، وانظر (٣/ ٤٦: ٤٨) (يوسف/٨)، (٦/ ٣٧١: ٣٧٣) (الشعراء/٢٠).

<<  <   >  >>