للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦٤ - الظن يطلق على اليقين، وعلى الشك (١).

[معلوم أن الظن يطلق في لغة العرب، التي نزل بها القرآن على معنيين: أحدهما: الشك كقوله {إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، وقوله تعالى عن الكفار: {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}.

والثاني: هو إطلاق الظن مراداً به العلم واليقين، ومنه قوله تعالى هنا: {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} أي أيقنوا، أنهم ليس لهم يوم القيامة محيص، أي لا مفر ولا مهرب لهم من عذاب ربهم، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا} أي أيقنوا ذلك وعلموه، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}، فالظن في الآيات المذكورة كلها بمعنى اليقين.

ونظير ذلك من كلام العرب قول دريد بن الصمة:

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... ... ... سراتهم في الفارسي المسرد

وقول عميرة بن طارق:

بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم ... ... ... وأجعل مني الظن غيباً مرجما

والظن في البيتين المذكورين بمعنى اليقين] (٢).


(١) - ومما يؤكد كلام العلامة الشنقيطي - رحمه الله - في قضية المجاز، ما قاله ابن عاشور في التحرير والتنوير: [والظن: يطلق على مراتب الإدراك فيطلق على الاعتقاد الجازم الذي لا يشوبه شك كما في قوله تعالى {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: ٤٥، ٤٦)؛ ويطلق على الاعتقاد المشوب بشك. ويظهر أنه حقيقة في هذا الثاني وأنه مجاز في الأول لكنه في الأول شائع فصار كالمشترك] فشيوعه عند العرب لا يجعله من المجاز.
(٢) - (٧/ ١٤٣ - ١٤٤) (فصلت/٤٨)، وانظر أيضاًًً (٤/ ١٤٢) (الكهف/٥٣).

<<  <   >  >>