للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كانت كُبْرَى مُدُنِ الحجاز - متمثلة في مكة والمدينة - تُؤْثِر تَسْهِيلَ الهمز على تحقيقه فقد ورد عنهم ما يدل على أنهم حققوا بعض الكلمات، التي اجتمع العرب على تسهيلها، فقد ذكر الزبيدي عن سيبويه قوله:" ليس أحدٌ من العرب إِلاَّ ويقول: تنَبَّأَ مُسَيْلِمَةُ بالهمز غير أَنهم تَرَكوا الهمز في "النَّبِيَّ" كما تَرَكوه في: الذُّرِّيَّة، والبَرِيَّة والخابِيَة، إِلاَّ أَهل مكَّة فإنَّهم يهمزون هذه الأحرف، ولا يَهْمزون في غيرها، ويُخالفون العربَ في ذلك، قال: والهمز في النَّبيِّ لغةٌ رَديئة، أَي لقلَّة استعمالها لا لكَوْنِ القياس يَمنع ذلك، وتَرْكُ الهمزِ هو المُخْتارُ عند العرب سوى أَهلِ مكَّة" (١).

ونقل الزبيدي عن الزجاج قوله: "القراءةُ المُجْمَع عليها في "النَّبيِّينَ" (٢) و"الأَنْبِياءِ" (٣) طرحُ الهَمْزِ، وقد همز جماعةٌ من أَهل المدينة جميع ما في القرآن من هذا واشتقاقُه من نَبأَ وأَنبأَ أَي أَخبر قال: والأَجودُ تَرْكُ الهمز" (٤).

وصرح الزبيدي في بعض المواضع أن تسهيل الهمز لغة أهل الحجاز ففي مادة (ن وش) ذكر قول الفراء: "وأَهْلُ الحِجَازِ تَرَكُوا هَمْزَ "التَّنَاوُش" (٥) وجَعَلُوه مِن: نُشْتُ الشَّيءَ، إِذا تَنَاوَلْتَهُ. وقَرَأَ حَمْزَةُ والكِسَائِيُّ "التَّنَاؤُشُ" (٦) بالهَمْزِ. يُقالُ على التَّخْفِيفِ البَدَلِيِّ: سَالَ يَسَالُ، كخَافَ يَخَافُ، وهي لُغَةُ هُذِيْلٍ" (٧).

وإذا كان الزبيدي قد صَرَّحَ بأن التسهيل لغة الحجاز، فإنه لم يحدد القبائل التي كانت تحقق الهمز، وهذا يدل على شيوع الهمز عند العرب. ومع هذا الشيوع فقد أثر عنهم تخفيف الهمز في بعض الكلمات، مثل كلمة "نبيّ" كما مر.


(١) التاج: ١/ ٤٤٥، وانظر الكتاب: ٣/ ٤٦٠.
(٢) البقرة: ٦١، ٢١٣، وآل عمران: ٢١، ٨١، والنساء: ٦٩، والإسراء: ٥٥، ومريم: ٧، ٤٠.
(٣) آل عمران: ١١٢، ١٨١، والنساء: ١٥٥.
(٤) التاج: ١/ ٤٤٥.
(٥) سبأ: ٥٢.
(٦) انظر: السبعة: ٣٠٢، والحجة لابن خالويه: ١٨٨، ومعجم القراءات لأحمد مختار عمر:٤/ ١٣٥.
(٧) التاج: ١٧/ ٣٩٥، ١٧/ ٤٣٢، وانظر: معاني الفراء:٤/ ٥٨.

<<  <   >  >>