للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحكى أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة. وقال ابن أبي إسحاق: ما رأته عيناك فهو سُد بالضم، وما لا يرى فهو سَد بالفتح" (١).

وأما الألوسي فإنه يخرج الفرق الذي ذكروه بين البناءين فيقول: "ووجه دلالة المضموم على ذلك أنه بمعنى مفعول، ولكونه لم يذكر فاعله فيه دلالة على تعين وعدم ذهاب الوهم إلى غيره فيقتضي أنه هو الله تعالى. وأما دلالة المفتوح على أنه من عمل العباد فللاعتبار بدلاله الحدوث وتصوير أنه ها هو ذا يفعله فليشاهد، وهذا يناسب ما فيه مدخل العباد على أنه يكفي فيه فوات ذلك التفخيم، وأنت تعلم أن القراءة بهما ظاهرة في توافقهما، وعدم ذكر الفاعل والحدوث أمران مشتركان، وعكس بعضهم فقال: المفتوح ما كان من خلقه تعالى إذ المصدر لم يذكر فاعله، والمضموم ما كان بعمل العباد؛ لأنه بمعنى مفعول والمتبادر منه ما فعله العباد وضعفه ظاهر" (٢).

ومما جاء على (فِعْل) و (فَعْل) بكسر الفاء وفتحها، واختلف في معناه:

(بِشَقِّ) (٣): قراءة في: {لَمْ تَكونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ} (٤). [التاج: شق]

قراءة الجمهور بكسر الشين، وقرئ بفتحها. والشَّقَّ: المَشَقةُ والجَهْدُ والعَناءُ. وفي كسر الشين وفتحها عند اللغويون والمفسرون وجوه (٥):

الأول: يرى أنهما لغتان في المصدر والمعنى واحد.

الثاني: يرى أنه بالكَسْرِ اسمٌ من المشقة، وبالفَتْح مَصْدر بالمعنى نفسه.

الثالث: يرى أنه بالفتح مصدر شَقَّ يَشُقُّ شَقَّاً أي جعله نصفين، وذلك على معنى المجاز؛ كأن متاعب السفر تنقص من نفس المسافر الشق أي النصف.

قال الفراء: " أكثر القُرّاء على كسر الشين ومعناها: إلا بجَهْدِ الأنفس. وكأنه اسْم وكأن الشَّقَّ فِعْل؛ كمَا تُوهِّم أن الكُرْهَ الاسم وأن الكَرْهَ الفعل. وقد قرأ به


(١) المحرر الوجيز: ١/ ٤١٩.
(٢) روح المعاني: ١١/ ٤٤٤.
(٣) قراءة نافع وأبي عمرو واليزيدي ومجاهد والأعرج وعمرو بن ميمون وابن أرقم، انظر: معالم التنزيل: ٥/ ٩، والدر المصون: ٩/ ٢٢٩، معجم القراءات لمختار: ٣/ ٨، ومعجم القراءات للخطيب: ٤/ ٥٩٦.
(٤) النحل: ٧.
(٥) انظر: معالم التنزيل: ٥/ ٩، ومعاني القرآن للنحاس: ٤/ ٥٦، والتحرير والتنوير لابن عطية: ١٤/ ١٠، وروح المعاني للألوسي: ١٤/ ١٠٠.

<<  <   >  >>