للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استلام عمر بن الخطاب مفاتيح بيت المقدس]

أرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عمرو بن العاص داهية العرب وذكي الصحابة إلى أرطبون ملك الروم، وأراد عمرو بن العاص أن يتحسس بنفسه مواقع جيش الروم، فذهب على أنه رسول من عمرو بن العاص إلى أرطبون قائد جيوش الروم، فلما وصل إلى أرطبون، قال لما رأى من ذكاء هذا الرجل إما أن يكون مستشاراً لـ عمرو بن العاص وإما أن يكون هو بذاته عمرو، فلأقتلنه بعد أن يمضي إلى الصحراء، وحدث بذلك قائداً من قواده، وشعر عمرو بن العاص بالخطر، فقال له: أيها الملك! إن سيدي عمرو له عشرة من المستشارين غيري أنا أقلهم أو كلهم على شاكلتي، فأشار الملك إلى الرجل الذي أمره بقتل عمرو بأن لا تفعل؛ فربما كان هذا أحد مستشاري عمرو، فلما وصل عمرو إلى مأمنه أرسل إلى أرطبون أن الذي كان يحدثك هو عمرو بن العاص.

وعسكرت الجيوش الإسلامية الوضيئة -وكان عددهم خمسة عشر ألف مقاتل- أربعة أشهر على آثار القدس، خمسة آلاف تحت قيادة أبي عبيدة، وخمسة آلاف تحت قيادة يزيد بن أبي سفيان، وخمسة آلاف تحت قيادة شرحبيل بن حسنة، فأرسل بطاريك القدس: والله لا نسلم المفتاح إلا لـ عمر، وأتى عمر ليتسلم المفتاح، فجاء سيدنا عمر إلى الشام بنفسه ولم يلبس قميص صوف، ولم يضع على رأسه عمامة، تلوح صلعته للشمس، راكباً على جمله، فلما وصل إلى الشام ترجل عمر وترجل أبو عبيدة وهمّ أبو عبيدة أن يقبل يد عمر، فهم عمر أن يقبل رجل أبي عبيدة، فامتنع أبو عبيدة وامتنع عمر، فقال له أبو عبيدة لما رأى قميصه مرقعاً قد اتسخ: يا أمير المؤمنين! إنك تأتي إلى قوم ذوي شأن فلا يصلح أن تأتيهم بهذه الهيئة، ثم أعطاه برذوناً، فلما ركب عمر فوق البرذون تاه به البرذون وتبختر في مشيته، فنزل عنه وقال: والله! ما كنت أظن أن الشياطين تركب قبل اليوم، علي بقميصي، ووجدوا بين كتفيه وبين منكبيه ثلاث عشرة رقعة.

فلما مضى إلى القدس ليدخلها خاض في الوحل، فنزع نعليه ووضعهما في يد، وهو يخطم الجمل باليد الأخرى، وخاض في الوحل، فقال أبو عبيدة: ما رأيت مثل اليوم منظراً، فضربه عمر في صدره، وقال: لو قالها غيرك يا أبا عبيدة! لقد كنا أحقر وأذل الناس، فأعزنا الله بالإسلام، فلو طلبنا العزة في غيره لأذلنا الله.

ثم سار إلى الصخرة، فقال لـ كعب: أرني موقع الصخرة، وكانت المرأة إذا حاضت حيضاً أرسلت بخرقة الحيض إلى مكان الصخرة، وهي قبلة اليهود التي يزعمون، حتى قال لـ هرقل: والله! لأنتم أحرى بالقتل على ما فعلتم بهذا المسجد من اليهود على قتل يحيى وعلى بني يحيى، فكان عمر يضع القمامات في جلبابه وفي قميصه ويخرجها خارج المسجد، ومن خلفه المسلمون.

ومن الشروط التي اشترطها النصارى على أنفسهم قولهم لـ عمر: أن تدق الأجراس في جوف الكنائس دقاً خفيفاً بحيث لا يسمعه المسلمون، وأن نقوم للمسلمين من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس، وألا نتشبه بالمسلمين في فرق شعر ولا في لباس نعل، وألا نضع السرج على الخيل، وأن نركب الخيل من شق واحد، وأن نلزم زنارنا حيث كنا.

أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجندك في حطين صلوا وكبروا وتبكيك من شوق المآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيبي وخيبر نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصر وليمون يافا يابس في حقوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر وقال الآخر: وكأنني وابن الوليد وجنده وبكل كف لامع الأنصال نشروا على أرض الخليل لواءهم فغدا يظلل أطهر الأطلال وعن اليمين أبو عبيدة قد أتى وأتى صلاح الدين صوب شمال يسعى بجند قد شَرَوْا أرواحهم لله يوم تسابق لقتال فهم الأعزة في كتاب خالد ما بعد قول الله من أقوال ولما تولى معاوية الخلافة، أخذ العهد بالخلافة في بيت المقدس، ثم جعل دمشق عاصمة لخلافته، وفي عهد عبد الملك بن مروان أخذ البيعة بالخلافة في بيت المقدس، وأوقف عبد الملك بن مروان خراج مصر سبع سنوات على تجديد المسجدين، وعمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة طلب من الجميع أن يذهبوا إلى بيت المقدس ويقسموا هناك بين ربوعه يمين الولاء والطاعة والعدل بين الرعية.