للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفات مع جهود بعض أهل العلم في تحصيل العلم على كبر السن]

كثير من أهل العلم طلبوا العلم وهم كبار، ولكنهم صدقوا الله عز وجل فصدقهم، منهم شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك فقد طلب العلم وهو ابن عشرين سنة، وأول ما بدأ يطلب العلم قالوا له: إن الربيع بن أنس موجود في السجن، فاحتال عليه حتى دخل السجن فأخذ منه أربعين حديثاً.

والإمام البخاري يعنون في كتابه: من طلب العلم وهو كبير.

والإمام القفال ذهب إلى أحد الأمصار في طلب العلم وعمره أربعون سنة، فقال: متى أطلب العلم، ومتى أحفظ، ومتى أعلم الناس، فمر بصاحب ساقية يسوق البقر وكان الحبل يقطع الصخرة من كثرة مروره عليها، فقال: أطلبه وأتفرغ لطلبه، واستمر يطلب العلم وعمره ثنتان وأربعون سنة حتى أصبح من كبار أئمة الشافعية ومن جهابذة الدنيا.

يقول تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق:٣]، ونحن لا نألّي الإخوة بطلب العلم ولكن كل وإمكانيته وما أعطاه الله عز وجل، ويمكن أن يفيد المسلمين في مجال آخر كبناء المساجد، وكفالة الأيتام، فلا يحقر نفسه، فعلى الإنسان أن يكون ذا طموح وهمة عالية.

والإمام بقي بن مخلد إمام أهل الدنيا وصاحب أكبر مسند في التاريخ، يسير على قدميه من المغرب إلى بغداد ليصل إلى إمام أهل السنة، يقول: وكنت أقتات بما تلقيه النساء على طول الشاطئ من أوراق القرنفل، فلما وصلت إلى بغداد قيل لي: إن الإمام أحمد ممنوع من الدرس، فقلت: دلوني على بيت الإمام أحمد، ثم طرقت عليه الباب، فقلت: يا إمام طالب علم جئت إليك من بلاد بعيدة، قال: من إفريقيا أم من تونس؟ قال: بل أجوز بحراً من بلادي حتى أصل إلى تونس أنا من الأندلس، قال: مثلك يرحب لطلب العلم، ولكنك تعلم أني ممنوع من الدرس، قال: عندي فكرة، قال: وما هي؟ قال: سوف آتي إليك في زي السؤال وأنادي وأنت تخرج إلي، فأسمع منك الحديث، قال: بشرط ألا تجلس إلى أحد من أهل الحديث، قال: لك هذا، قال: فلما كان في الغد جعلت الأوراق في كمي وأتيت بخرقة وجعلتها عمامتي، ثم جعلت أقول: السؤال هنا والأجر هنالك إن شاء الله، قال: فيعطيني الحديث والاثنين والثلاثة فأسمع لذلك، قال: واستمر الحال على ذلك ستة أشهر حتى انتهت المحنة.

يقول الإمام ابن أبي حاتم الرازي: اشتهينا سمكة، فمكثت عندنا أياماً، كنا في النهار نطوف على الشيوخ وفي الليل ننسخ ونقابل، فمكثت عندنا أياماً ولم يكن عندنا وقت لطبخها.

والإمام محمد بن جرير الطبري والإمام محمد بن نصر المروزي والإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة دخلوا لتحصيل بعض الأحاديث من عند المصريين، فانتهت عليهم النفقة واضطروا إلى أن يسألوا الناس، فقالوا: نجري قرعة ومن خرجت عليه القرعة يخرج ويسأل الناس، فخرجت القرعة على إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب كتاب الصحيح، فقال: ذروني حتى أصلي ركعتين، وبينا هو يصلي إذ دق الباب رسول لـ أحمد بن طولون فقال: أيكم محمد بن جرير الطبري؟ فدفع إليه صرة فيها خمسون ديناراً، ثم قال: أيكم محمد بن إبراهيم؟ فدفع إليه صرة فيها خمسون ديناراً، وأعطى لكل رجل خمسين ديناراً، فقالوا: ما قصتك؟ قال: أتى أحمد بن طولون آت في المنام فقال له: إن المحمدين جياع فأطعمهم، وهو يستحلفكم بالله إن انتهت النفقة أن تعلموه حتى يأتيكم بغيرها.

فلا بد من الصدق في طلب العلم.

لا تدبر لك أمراً فأولو التدبير هلكى سلم الأمر تجدنا نحن أولى بك منكا