للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب انفراد عبادة الصوم بهذا الفضل]

قال العلماء: لأن في الصوم خواص لا توجد في عبادة غير الصوم، منها: ما جاء في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).

قال العلماء: إن ثواب أي عمل من العبادات لا يزيد بحال من الأحوال عن السبعمائة ضعف، فيضاعفه الله تبارك وتعالى إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم، فإنه مضاعف فوق سبعمائة ضعف؛ لأنه من الصبر: (والصوم نصف الصبر) كما قال رسولنا صلى الله وعليه وسلم، والله تبارك وتعالى يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:١٠].

فاستثني ثواب الصوم إلى سبعمائة ضعف، ويزيد على ذلك بكرم الله تبارك وتعالى وجوده ومنه.

الأمر الثاني: أن الإنسان قد يرتكب عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فيأتي يوم القيامة وقد خلص هذا وهذا، فيأخذ الغرماء من ثواب كل الأعمال؛ من ثواب الصلاة، وقراءة القرآن، والزكاة، والجهاد، والحج إلا ثواب الصوم، فلا يأخذ منه الغرماء شيئاً.

قال الإمام سفيان بن عيينة: يختم الله تبارك وتعالى على ثواب الصوم ولا يأخذ منه الغرماء شيئاً، ويدخل صاحبه به الجنة.

الخاصية الثالثة للصوم: كما جاءت في الرواية الثالثة: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به).

فالعبادات كلها لله تبارك وتعالى؛ لأن الله زاد الصيام تعظيماً فنسبه إلى نفسه، كما أن المساجد كلها لله، ويأتي الله تبارك وتعالى إلى مسجد بعينه وينسبه إلى نفسه، فيقول: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج:٢٦]، والمراد به: المسجد الحرام، فهذه زيادة تخصيص وتشريف؛ لأن كل العبادات قد يدخلها الرياء إلا الصوم كما قال الإمام أحمد.

والصلاة قد تصح لك من الناحية الفقهية؛ إذ تأتي بأركانها وبشروطها وبسننها، وبالرغم من هذا قد يقذف بها في وجهك يوم القيامة، وقد قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: (يأتي أناس بأعمال مثل جبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً، ثم قرأ الرسول صلى الله وعليه وسلم قول الله تبارك وتعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣]).

وفي حديث محمود بن لبيد: يقول المصطفى صلى الله وعليه وسلم: (إياكم وشرك السرائر! قالوا: وما شرك السرائر يا رسول الله؟! قال: أن يقوم الرجل فيصلي فيطيل في صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه).

وأنتم تعلمون أول من تسعر بهم النار، فكل العبادات قد يدخلها الرياء إلا الصوم، فمتى صح لك من الناحية الفقهية أخذت الأجر كاملاً ولا رياء في الصوم.

فالصوم مداره كله على الإخلاص لله تبارك وتعالى، والإخلاص يا إخوتاه! يورث النصر والعزة، ألم يقل الرسول صلى الله وعليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالسناء والنصرة والرفعة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب).

فمفهوم الحديث يدل على أن من راءى بعمله أصابته الذلة والمسكنة والهوان والضعة في الأرض.

ويقول المصطفى صلى الله وعليه وسلم: (إنما ينصر الله عز وجل هذه الأمة بضعفائها: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم).

ولذلك كثرت الانتصارات في شهر الصوم والإخلاص؛ وذلك لارتباط الناس بالإخلاص، فكانت هناك بدر، وفتح مكة، وغزوة تبوك، ومعركة عين جالوت، وكان هناك فتح عمورية، وكان هناك الاستيلاء على قلعة صدر بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وموقعة الزلاقة، وكان هناك عبور المسلمين إلى الأندلس تحت قيادة خادم لـ موسى بن نصير وهو طارق بن زياد، فاستولى على تلك المناطق حتى وصل إلى جنوب فرنسا.

وعلى الطرف الآخر أبو عبد الله الصغير آخر ملك من ملوك الأندلس، ضيعه الإفراط والترف، فأضاع الأندلس، فقالت له أمه: ابك بكاء النساء ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال ولم يصل هذا الرجل في إصراره وتمسكه بوطنه وتمسكه بأرضه إلى ما فعلت إيزابيلا ملكة أسبانيا، ففي الأدب الأسباني -وهذه الرواية واقعية في تاريخ إيزابيلا - أن هذه المرأة أقسمت ألا تخلع قميصها الداخلي حتى تدخل غرناطة، وكان لها ما أرادت، فقد ضيع أبو عبد الله الصغير مملكة الإسلام في أسبانيا، وكان قد اشترط أن يتولى ولايات من قبل إيزابيلا ومن قبل فرديناند هو وأولاده وأحفاده، يقول أحد علماء السير: والله لقد رأيت أحفاده عالة يتسولون الناس في شوارع صرف في المغرب العربي، ضيع ملك الأندلس في سبيل أن يبقى الملك له ولأحفاده، فتسول أحفاده في شوارع المغرب.

فالصوم يا إخوتاه! مرتبط بالإخلاص، والإخلاص يؤدي إلى النصر.

يقول رسول الله صلى الله وعليه وسلم: (يقول الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به).

لأنك تبتعد عن شهوات جبلك الله تبارك وتعالى عليها، حتى تحس بألم فقدك لهذه الشهوات.