للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل قراءة القرآن في رمضان]

شهر الصيام هو شهر نزول كل الكتب السماوية، يقول الله تبارك وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:١٨٥].

وفي حديث واثلة بن الأسقع الذي حسنه الشيخ الألباني يقول: قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة من ست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل من ثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل الزبور من ثمان عشرة ليلة مضت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان).

قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٨].

فأين نحن من القرآن؟! يقول أحمد بن أبي الحواري: إني لأعجب لقراء القرآن كيف يهنيهم النوم ومعهم القرآن، أما والله لو علموا ما حملوا لطار عنهم النوم فرحاً بما رزقوا، ألم يقل رسولكم صلى الله وعليه وسلم: (أبشروا فإن هذا القرآن حبل الله المتين، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم).

والله لو لم يكن للقرآن إلا هذه الخاصية لكفاه، طرف القرآن بيد الله العظيم، بيد الله الكريمة، وطرفه بأيدي البشر، فاستمسكوا بهذا، استمسكوا بحبل الله تبارك وتعالى، (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

يقول رسولكم صلى الله وعليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).

أبو جعفر القارئ أحد القراء العشرة لما مات تعجب مغسلوه من أنهم وجدوا نوراً يملأ ما بين قلبه وترقوته، فقال مغسلوه: والله لقد فضحت القراء من بعدك، فقد وجدوا هذا النور على صورة صفحة، أو ورقة من مصحف، فقال مغسلوه: هذا والله من القرآن.

ونافع أحد القراء العشرة لما مات شموا الطيب من فمه.

فأين نحن من كلام الله تبارك وتعالى، (من مات على شيء بعث عليه)، قال المناوي: أي: من عاش على شيء بعث عليه.

وهذا شيخ القراء في المملكة العربية السعودية يحكي عنه الشيخ عبد الرحمن بن عقيل الظاهري وهو الشيخ عامر يقول: إن هذا الشيخ الجليل أصيب سبع سنوات بسرطان في الحنجرة، فما كان يدرس طلبة الماجستير والدكتوراه إلا بإيماء منه فقط، فلما أذن الله بقرب موت هذا الشيخ وقبل موته بثلاثة أيام اعتدل الشيخ على سريره الأبيض وقطع صوته الجوهري بكلام الله تبارك وتعالى؛ بحيث يسمع السامع تلاوته بصوت ما سمعوا مثله من قبل، فلما انتهى من الختمة قبضت روحه إلى الله تبارك وتعالى.

أما سمعتم قول رسولكم صلى الله وعليه وسلم: (يأتي القرآن يوم القيامة ماحل مصدق).

وفي حديث أبي هريرة وابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول القرآن: يا رب! حله حلة الكرامة، يا رب! ألبسه تاج الكرامة، يا رب! ارض عنه فليس بعد رضاك شيء).

ويقول رسول الله صلى الله وعليه وسلم: (من سره أن يحب الله ورسوله فلينظر في المصحف).

وأينا لا يسره محبة الله ورسوله؟! فلننظر في المصحف.

أطيلوا على السبع الطوال وقوفكم تدر عليكم بالعلوم سحاب وفي طي أسماء المثاني نفائس يطيب بها نثر ويفتح باب فلا فصلت لما أتاه مجادل فأنصت حتى ما يكون جواب أقر بأن القول فيه طلاوة ويعلو ولا يعلو عليه خطاب قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:٢٣].

قالوا للحسن البصري: إن هنا رجلاً يحفظ كتاب الله ثم ينام عنه، قال: ذاك رجل يتوسد القرآن أي: ذاك رجل ينام على القرآن.

ويقول محمد بن واسع: القرآن بستان العارفين، فأينما حلوا منه حلوا في رياض نضرة.

ويقول عثمان بن عفان: لو طهرت قلوبكم ما شبعتهم من كلام ربكم.

فهو روح لا تطيب الحياة إلا به، وهو نور يضيء القلوب، وتشرق بنوره.

فاتقوا الله تبارك وتعالى، وأقبلوا على القرآن في شهركم هذا شهر القرآن، لا نقول لكم افعلوا كما كان يفعل الإمام الشافعي، فقد كانت له ستون ختمة في ليل رمضان ونهاره، ولكن على الأقل عشرة أجزاء في كل يوم بدلاً من الجدال، فطيبوا أجوافكم بكلام الله تبارك وتعالى، وطيبوا أفواهكم بكلام الله تبارك وتعالى، إن الصديقين إذا تلي عليهم كلام الله اضطربت قلوبهم، واشتاقت إلى ما عند الله تبارك وتعالى إن كنت تزعم حبي فلم هجرت كتاب أما تأملت ما فيه من لذيذ خطابي والأسد بن يزيد عمي فأذن الله له عند فتح المصحف أن يرتد إليه بصره، فإذا أغلق المصحف وعاد إلى دنيا الناس عاد إلى العمى مرة ثانية.

فأقبلوا على الله تبارك وتعالى، واسألوا الله لي ولكم أن يشغلكم بكتاب الله عن الدنيا وأهلها، وعن الخوض فيها واللعب بها.