للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب قسوة القلوب وأسباب رقتها]

السؤال

ما هي الأسباب المؤدية إلى قسوة القلب وما علاجها باختصار شديد؟

الجواب

من ضمن أسباب قسوة القلب: نسيان ذكر الله تبارك وتعالى وإهماله، جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له: أشكو إليك قسوة قلبي، فقال: أذبه بالذكر.

وإن كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنسِ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقيت إبراهيم في ليلة أسري بي فقال: يا محمد! أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبق المفردون، قيل: وما المفردون يا رسول الله؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات).

يا من يذكرني بعهد أحبتي طاب الحديث بذكرهم ويطيبُ أعد الحديث علي من جنباته إن الحديث عن الحبيب حبيب ملأ الضلوع وفاض عن جنباتها قلب إذا ذكر الحبيب يذوب ما زال يخفق دائماً بجناحه يا ليت شعري هل تطير قلوب ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أكثر من ذكر الله حتى يقول الجاهل: إنك مجنون)، والحديث صححه الحافظ ابن حجر والشيخ الألباني.

وأتى رجل إلى أبي مسلم الخولاني وكان كثير الذكر لله عز وجل فقال: أمجنون أنت يا عماه؟! قال: لا يا بني! بل هذا دواء الجنون.

ومن حديثي بكم قالوا به مرض فقلت لا أذهب الله عني ذلك المرض ويقول الشاعر: والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي ولا جلست إلى قوم أحدثهم إلا وأنت حديثي بين جلاسي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تستقل الشمس فيجدها شيء من خلق الله إلا سبح الله بحمده إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم)، فالغبي كل الغبي والغباوة كل الغباوة البعد عن ذكر الله تبارك وتعالى.

وقال الله تبارك وتعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].

وأعظم الذكر قراءة القرآن الكريم، فهو مزامير الأنس، من حضرة القدس، بألحان التوحيد، من رياض التمجيد، وهذا طعم الخبر فكيف بطعم النظر! وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:٢٣].

فعليكم بأحسن الحديث، والطيب من القول، والأنس بالله عز وجل، وقراءة القرآن.

قال ابن تيمية: ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري أينما ذهبت فهي معي، إن معي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وقال: مساكين أهل الدنيا؛ خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أجمل ما فيها؛ لذة الأنس بالله عز وجل.

ويقول ابن القيم: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها القلب طرباً، وأقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا العيش إنهم لفي عيش طيب.

فأول شيء يرق به القلب: ذكر الله عز وجل.

وثانياً مما يرقق القلوب: العطف على اليتامى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أردت أن يلين قلبك وتدرك حاجتك امسح رأس اليتيم، وادنه منك، وأطعمه من طعامك، واسقه من شرابك، يلن قلبك وتدرك حاجتك).

وأما أسباب قسوة القلوب فمنها: التسويف، قال أحد الصالحين: أنذرتكم سوف؛ فإنها جند من جنود إبليس.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل)، فقوله: (ويهلك آخرها بالبخل والأمل) أي: بالتسويف.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل آنية في الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها).

وتقسو القلوب أيضاً بكثرة الطعام، والأصل كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني جواز الشبع أحياناً، وأما أن تأكل كل يوم وتملأ بطنك فهذا لا يصح.

وأتى رجل إلى الحسن فقال له: علمني كيف أقوم الليل، فقال: صف لي أكلك كيف تأكل؟ قال: آكل حتى أشبع، قال: يا بني! ذاك أكل البهائم، قال: صف لي شربك، قال: أشرب حتى أرتوي، قال: ذاك يا بني! شرب الأنعام، اذهب يا بني! فتعلم الأكل والشرب، ثم ائت أعلمك قيام الليل.

ولذلك يقول الإمام ابن القيم في كتاب (الفوائد): قيل لرجل من الصالحين: فلان يأكل في اليوم ثلاث أكلات، فقال: قولوا لأهله: يبنوا له معلفاً.

ومما يرق به القلب كثرة الصوم، وأكثر ما يدر الدمع في العين الصوم.

نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً لغيرك دمعها مدرار من ذا يعيرك عينه تبكي بها أرأيت عيناً للدموع تعار وأنت جرب عندما تصوم تجد أن القلب يرق وتذرف الدمعة، كما قال العلامة القسطلاني.

وآخر ما قرأت في كتاب (تاريخ أصبهان): أنه كان هنالك رجل من أصحاب الحديث مكث أربعين سنة هو وابنه وامرأته يصومون، وكان يسرد الصوم سرداً.

وما مات عمر وعثمان رضي الله عنهما حتى سردا الصوم سرداً، ومات عثمان رضي الله عنه وهو صائم.

وتجد الأعاجيب في حكايات السلف عن الصوم، فمنهم من صام أربعين سنة لا تشعر به زوجه، فكان يخرج بطعامه من البيت ويتصدق به في عرض الطريق، فإذا أتى إلى حانوته ظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، وإذا أتى إلى بيته بعد المغرب ظنوا أنه قد أكل ما أخذه من طعام.

وأيضاً قيام الليل مما يرق به القلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة منكم إلى ربكم، ومنآة عن الإثم، ومكفرة للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد).

قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:٩].

وأيضاً مما يرق به القلب: البعد عن المخالطة الكثيرة للناس، فالأنفاس الصادرة من العصاة تعكر الجو وتغبره، والمخالطة الكثيرة للناس والكلام الكثير معهم مما تقسو به القلوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بطول الصمت وحسن الخلق، فوالذي نفسي بيده ما تجملت الخلائق بمثلهما).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.