للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تضحية الأنبياء والمرسلين وأتباعهم في سبيل الدعوة إلى الله]

في سبيل هذه الدعوة لاقى الصالحون ما لاقوا، فأين أنت يا مخنث العزم! والطريق طويل، تعب فيه آدم، وناح فيه نوح، وألقي في النار إبراهيم، واضطجع للذبح إسماعيل، وشق بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وعاش مع الوحوش عيسى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار في البكاء داود، واتهم بالسحر والشعوذة والجنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل اتهم في عرض زوجته، وذبح سعيد بن جبير وما في الأرض رجل إلا وهو محتاج إلى علمه، وذبح الحسين بن علي، وداست الخيل فمه الذي قبله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أجل هذه الدعوة ضرب ابن حنبل، يقول شاباص التائب الذي كان يكلف بضرب ابن حنبل: والله لقد ضربت ابن حنبل ضرباً لو كان في فيل لهده.

وقال أيضاً: لقد فاق أحمد بن حنبل الشطار، يعني: صبر أكثر مما يصبر المجرمون، قال: لقد فاق أحمد بن حنبل الشطار، والله لقد ضربته لو أنيخ لي بعير فضربته لنقبت عن جوفه، وتحمل الإمام أحمد بن حنبل ما تحمل، وكانت نفسه عليه مثل ما قالوا عن سعيد بن المسيب: كانت نفسه عليه في الله أهون من ذباب، تلمحوا ببصيرتهم عاقبة ما عند الله تبارك وتعالى، فهان عليهم كل شيء في سبيل دينهم.

كان أحدهم إذا أريد على دينه دارت عينه في حماليقها، وغضب لله تبارك وتعالى، ولولا سياط على ظهر ابن حنبل ما صار إمام أهل السنة والجماعة، وقال له رجل: يا بن حنبل! اصبر لأمر الله، فإن يقتلك الحق تمت شهيداً، وإلا تعش حميداً مجيداً.

وكان الإمام أحمد يدعو لـ أبي الهيثم اللص الطرار، كان يقول: اللهم اغفر لـ أبي الهيثم، اللهم سامح أبا الهيثم، فقال له ولده: من أبو الهيثم يا أبت؟ فقال: أبو الهيثم اللص الطرار، قال: لما مددت للسياط إذا برجل يجذب ثوبي من خلفي وقال: يا ابن حنبل: أما تعرفني؟ قال: قلت: لا، قال: أنا اللص الطرار أبو الهيثم، ضربت ثمانية عشر ألف سوط تحملتها من أجل الدنيا ومن أجل الشيطان، أفلا تصبر أنت لطاعة الرحمن؟ فنفع الله تبارك وتعالى الإمام أحمد بهذه الكلمة.

وهذا أبو نعيم الفضل بن دكين لما أتي به ليتكلم في مسألة خلق القرآن قال: والله لعنقي أهون علي من زري، فقام أحمد بن يوسف وكان بينه وبين الفضل بن دكين شحناء، قام إليه وقبل رأسه، وقال: جزاك الله عن الإسلام خيراً.

وهذا البويطي تلميذ الإمام الشافعي يقول عنه الربيع بن سليمان المرادي: إنه مات في حديده في فتنة خلق القرآن، وكان يقول: والله لأموتن في قيدي؛ حتى يأتي أناس من بعدنا يعلمون أنه في سبيل هذا الأمر مات أناس في حديدهم.

يا دامي العينين والكفين إن الليل دائم لا غرفة التعذيب باقية ولا ضرب السلاسل وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل من يتهاون عن الدعوة يظل قلقاً أبداً، ومحروماً أبداً من الطمأنينة الإيمانية، فيا إخوتاه! انشروا الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

قيل للشافعي: يبتلى الرجل أم يمكن؟ قال: لا يمكن حتى يبتلى.

فاصبروا على أمر الله تبارك وتعالى، وادعوا في كل مكان وفي كل طريق وعمارة وشارع، فالدعوة إلى الله تبارك وتعالى لا تدانيها منزلة بعد منزلة النبوة.

يقول الإمام ابن القيم: والدعوة إلى الله أشرف مقامات التعبد: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣].

ويقول الحسن البصري: هذا ولي الله، هذا حبيب الله.

يا إخوتاه! إن الداعي إلى الله تبارك وتعالى الذي يفضح شبه العلمانيين والأقزام والزنادقة والمنافقين يأخذ أجر المهاجر في سبيل الله، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، بل ويأخذ أجر المجاهد في سبيل الله، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان:٥٢] أي: بالقرآن، وهذا في سورة مكية.

ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من أتى إلى مسجدي هذا لعلم يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره).

فلا تقيسوا دعوتكم بدعوة الظالمين، فدعوتكم سندها الله تبارك وتعالى العلي الأعلى، ولا تقيسوا دعوتكم بدعوات أرضية ترتبط بأشخاص، تخلقها الضرورات، وتذهب بها الأحداث والليالي، ادعوا إلى الله تبارك وتعالى كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما دعا نوح، وكما دعا يوسف، فقد دعا يوسف إلى الله تبارك وتعالى وهو في السجن، دعا الرجلين قبل أن يجيب مسألتهما؛ دعاهما إلى الله تبارك وتعالى.

وشغلت عن فهم الحديث سوى ما كان عنك فإنه شغلي وأديم نحو محدثي وجهي ليرى أن قد عقلت وعندكم عقلي ونوح دعا إلى الله تبارك وتعالى ليلاً ونهاراً، ورسولكم صلى الله عليه وسلم وهو مطارد في يوم الهجرة دعا بريدة بن الحصيب الأسلمي وقومه إلى الله تبارك وتعالى، فأسلموا.

يا إخوتاه! إن أنفاس الدعاة وقف لله تبارك وتعالى، فمن أراد المنزلة القصوى من الجنة فعليه بالمنزلة القصوى في الدنيا، وهي الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، رب اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، إليك أواهين مخبتين منيبين.

اللهم تقبل توبتنا، وأجب دعوتنا، واسلل سخائم صدورنا.

اللهم بك نستنصر فانصرنا، وعليك نتوكل فلا تكلنا، وإياك نسأل فلا تحرمنا، وبباك نقف فلا تطردنا.

اللهم إنا نشهد أن لا إله إلا أنت، لك الحمد كله، ولك الملك كله، اللهم يا حنان يا منان اللهم فك الكرب عن إخواننا في البوسنة والهرسك، اللهم فك الكرب عن إخواننا في البوسنة والهرسك، اللهم احفظ أعراضهم، اللهم احفظ دماءهم، اللهم احفظ دماءهم، اللهم احفظ أعراضهم، اللهم آمنهم في بلادهم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأقم الصلاة.