للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاختلاف في كون الخضر حياً أم قد مات

وهل الخضر حي الآن أو قد مات؟ اختلف في ذلك أقوال العلماء، حتى اضطرب شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة، فهو يقول عنه في مجموع الفتاوى في صفحة: إنه حي، وفي الصفحة التي بعدها يقول: إنه ميت، وهذه فتوى صريحة لا تحتمل تأويلاً، وهي بحاجة إلى مراجعة في مجموع الفتاوى، وهذا مما اضطرب فيه قول شيخ الإسلام ابن تيمية.

وذهب جمع كثير من العلماء إلى: أن الخضر حي لم يمت، وأن إلياس حي لم يمت، ووردت في ذلك أخبار كثيرة؛ وهي ضعيفة وباطلة لدرجة أن الإمام النووي قال: إن الرجل الذي يخرج من المدينة ويقتله المسيح الدجال ثم يحييه مرة ثانية هو الخضر.

قال هذا في شرح مسلم، وهذا القول قول مرجوح.

وذهب كبار المحدثين ومنهم الإمام البخاري وابن دحية وابن كثير وابن حجر العسقلاني إلى أن الخضر قد ميت.

والدليل على أن الخضر قد مات: ما قاله الإمام أحمد بن حنبل لما سأله إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وإلياس وأنهما باقيان يشاهدان ويروى عنهما؟ فقال: من أحال على غائب لم ينصف.

ثم قال الإمام أحمد: وما ألقى هذا إلا الشيطان.

والدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم لما كان جالساً في حلقة من أصحابه كما رواه الإمام البخاري: (لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على وجه الأرض أحد).

والدليل الثالث: أنه لو كان الخضر حياً لكان قاتل في معركة بدر وفي أحد وبعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكان فك الخلاف في سقيفة بني ساعدة ولاستشاره المسلمون، فليس من المعقول أن يذهب إلى البراري والفيافي والقفار والجبال ويترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يحارب وحده حتى يشج رأسه في أحد، وكيف والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (والله لو كان موسى بن عمران حياً ما وسعه إلا أن يتبعني).

وكيف وقد أخذ الله عز وجل الميثاق على النبيين والخضر منهم؛ يقول المولى عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:٨١].

فكيف يترك الخضر نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم إن كان حياً؟! هذا لا يعقل ولا يجوز.