للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكانة القدس في الإسلام وواجب المسلمين نحوها]

إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام:١٣٤].

القدس مدينة السلام، ومسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، ومجتمع الملائكة، ومهد عيسى، وملك سليمان بن داود، ومهاجر إبراهيم عليه السلام، ومأوى الرسالات والديانات.

هذه القدس التي شرفها الله عز وجل بذكرها في كتابه الكريم، فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء:١] فهي قدسية الفرع والآباء والأجداد، قدسية التراب المبارك حوله، فقد نص القرآن على قدسيتها وعلى طهارتها، وبسببها أوقف الله عز وجل الشمس ليوشع بن نون نبي من أنبياء الله عز وجل، وهو فتى موسى الذي تولى حكم بني إسرائيل بعد وفاة نبي الله موسى، فلما توفي نبي الله موسى بأرض التيه قبل أن يفتح بيت المقدس فتحه فتاه يوشع بن نون نبي بني إسرائيل، فكان يقاتل الكفار الذين في هذه المدينة، فحبس الله عز وجل له الشمس عن المغيب حتى يستكمل فتح هذه المدينة المباركة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حبست الشمس على بشر قط إلا على يوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عن سليمان عليه السلام: (إن سليمان عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثة: سأله حكماً يصادف حكمه فأوتيه) يعني: أن يحكم فيما يتعرض له من الفتاوى بحكم يوافق حكم الله عز وجل، ثم قال: (وسأل الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا تنهزه -أي: لا تأتي به- إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة) هذا الحديث صححه الشيخ الألباني.

يعني: أن سيدنا سليمان بن داود سأل ربه حكماً يوافق حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي أحد بيت المقدس للصلاة فيه لا يخرجه من بيته إلا الصلاة فيه، أن يغفر الله عز وجل له كل ذنوبه، وأن يخرجه من خطاياه كيوم ولدته أمه، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة) يعني: لا يأتي أحد للصلاة في بيت المقدس إلا غفر الله له ذنوبه كلها وكل ما تقدم من ذنبه، وهذه كرامة عظيمة ومنقبة لبيت المقدس، والخلافة المقدسة التي ستكون علامة هذه النبوة في آخر الزمان سيكون مقرها بيت المقدس في فلسطين، كما جاء في حديث عبد الله بن حوالة لما وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه قال له: (كيف أنت يا ابن حوالة إذا نزلت الخلافة بالأرض المقدسة؟ لساعة يومئذ أقرب إليكم من قرب يدي هذه من رأسك).

هذه المدينة المقدسة وجّه النبي صلى الله عليه وسلم جل اهتمامه -بعد أن حرر الكعبة من الأوثان- وجّه كل همّه تجاه بيت المقدس، فأرسل أعز أحبابه زيد بن حارثة وابن عمه جعفر الطيار الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أشبهت خلقي وخُلُقي) وعبد الله بن رواحة، وجههم إلى مؤتة، وهي من أرض فلسطين، وسالت دماء زيد وجعفر الطيار وعبد الله بن رواحة على ثرى فلسطين في مؤتة، ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقد بيده الشريفة اللواء لـ أسامة بن زيد يدفعه لملاقاة الروم، ولما داهمت جيوش المرتدين المدينة وأحاطت بالمدينة كلها، قالوا لـ أبي بكر الصديق: لا تنفذ بعث أسامة، قال: والله! لو أخذت خيول الروم بأرجل أمهات المؤمنين لأنفذت بعث أسامة، وما كنت لأحل عقداً عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده.

ووجّه الصديق الجيوش لفتح بلاد الشام، وفتح سيدنا عمرو بن العاص أكثر مدن فلسطين، فتح غزة ويافا ونابلس، وكانت الجيوش التي وقفت على أبواب فلسطين تحت قيادة أمين هذه الأمة أبي عبيدة عامر بن الجراح، ورفض القساوسة ببيت المقدس أن يسلموا المفتاح إلا لـ عمر، وأرسل أبو عبيدة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بأن يأتي لفتح بيت المقدس، فأتى على دابته، فقال له أبو عبيدة لما تلقاه في الشام: يا أمير المؤمنين! إنك تلقى وجهاء الناس وكبراءهم فلو غيرت دابتك وثوبك، وقد أعطاه ثوب كتان بدلاً من ثوبه المرقع، فضربه عمر في صدره وقال: لو قالها غيرك يا أبا عبيدة! ليس الأمر هاهنا -يعني: ليس الأمر من شأن الأرض ومن عليها- إنما الأمر هناك وأشار إلى السماء، ثم قال: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، ثم جعل عمر يقول: أما تنظر إلى هؤلاء ينظرون إلى مراكب قوم لا خلاق لهم، ولما دخل عمر بيت المقدس وجدهم قد جمعوا النجاسات والحيض ووضعوها في بيت المقدس، فجعل عمر رضي الله عنه يجمع بثوبه الشريف هذه النجاسات ويخرجها منه، فلما رأى الصحابة والتابعون فعل أمير المؤمنين عمر جعلوا يفعلون ما يفعل، وأخذ عمر العهد على نصارى إيليا (بيت المقدس)، وهذه الوثيقة العمرية مسجلة في التاريخ، واشترط النصارى على أنفسهم الآتي: أن نوقر المسلمين في مجالسهم، وأن يقام لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس، وأن تدق الأجراس في جوف الكنائس دقاً خفيفاً بحيث لا يسمعها المسلمون، وألا نتشبه بالمسلمين في لبس نعل ولا في فرق شعر إلى غير ذلك.

هذه وثيقة فيها كل العز، وكان من نص الوثيقة: أنه لا يسمح لليهود بدخولها.

وهؤلاء اليهود يكذبون ويقولون: إن لنا أصلاً في القدس وإن الهيكل دُمِّر تدميراً كاملاً، والحفريات طوال مائة سنة في الواقع لم تعثر على حجر واحد من حجارة الهيكل المزعوم، ويقولون: إن لنا حضارة في بيت المقدس منذ ثلاثة آلاف سنة، مع أن النصارى بأنفسهم اشترطوا على المسلمين ألا يسكن اليهود في بيت المقدس، وظلت القدس عزيزة عظيمة في أيدي المسلمين، وسيدنا عمر بن عبد العزيز لما أراد البيعة جمع ولاة الأمر وأخذ البيعة له منهم في بيت المقدس، وعبد الملك بن مروان أخذ بيعة الخلافة في بيت المقدس، والوليد بن عبد الملك باني قبة الصخرة أيضاً أخذ الخلافة في بيت المقدس، وزكوات مصر أوقفت في الخلافة الأموية لمدة سبع سنوات كاملة، أوقفها الوليد بن عبد الملك على بناء قبة الصخرة وما حول بيت المقدس؛ فلماذا هان هذا المسجد وهذه الأماكن الطيبة الطاهرة علينا؟ بيروت في اليم ماتت قدسنا ذُبحت ونحن في العار نسقي وحلنا طينا أي الحكايا ستروى عارنا جلل نحن الهوان وذل القدس يكفينا القدس في القيد تبكي من فوارسها دمع المنابر يشكو للمصلينا أقزامنا ضيعونا حينما فسقوا باعوا المآذن والقرآن والدينا أقزامنا من توارى صوتهم فزعاً والأرض تسبى وبيروت تنادينا أقزامنا من أضاعوا السيف من يدنا وأودعونا سجون الليل تطوينا قم من ترابك يا بن العاص في دمنا ثأر طويل لهيب العار يكوينا قم يا بلال وأذن صمتنا عدم كل الذي كان طهراً لم يعد فينا هل من صلاح يداوي جرح أمته ويطلع الصبح ناراً من ليالينا هل من صلاح لشعب هده أمل ما زال رغم عناد الجرح يشفينا جرحي عنيد وجرحي أنت يا وطني جئنا نداويك تأبى أن تداوينا إني أرى القدس في عينيك ساجدة تبكي عليك وأنت الآن تبكينا ما زال في العين طيف القدس يجمعنا لا الحلم مات ولا الأحزان تنسينا