للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التكبر على رسل الله]

النوع الثاني من التكبر: التكبر على رسل الله: يقول الله تبارك وتعالى حاكياً على لسان هؤلاء المتكبرين: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف:٣١ - ٣٢]، فالكفار المتكبرون قالوا: لولا نُزِّل هذا القرآن على عروة بن مسعود الثقفي أو على الوليد بن المغيرة فإنهما سيدا القريتين: مكة والطائف.

فنظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يتيم أبي طالب، ولم ينظروا إليه بميزان النبوة، ونظروا إليه بأنه من البشر، يقول الله تبارك وتعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم:١٠] فالرسول صلى الله عليه وسلم من البشر، ولكنه زاد عليكم بالوحي وبالإيمان بالله تبارك وتعالى.

ومن المتكبرين من يقول: نحن نعترف ببشرية الرسول، وطالما أنه بشر فيؤخذ من قوله ويرد.

فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان همزة الوصل ما بين السماء والأرض، وتحمل عقله وقلبه ما تندك منه الجبال الرواسي؛ لقول الله تبارك وتعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:٢١]، وقال الله تبارك تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان:٢١]، أي: قالوا: لا نريد بشراً يكون مثلنا، نريد أناساً يكونون أنظف قليلاً، هاتوا لنا ملائكة، نحن لا نستطيع أن نتعامل إلا مع الملائكة.

ولذلك تقول السيدة عائشة للرسول صلى الله عليه وسلم: (هل مر عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: ما لقيت من قومك كان أشد منه يوم العقبة إذ عرضت نفسي على عبد ياليل بن عبد كلال).

وكانوا ثلاثة، فقال له رجل منهم: أما وجد الله من يرسله غيرك؟ وقال الآخر: علي كسوة الكعبة إن كان الله قد أرسلك.

وقال الثالث: أنا لا أكلمك، فإن كنت صادقاً فأنت أجل من أن أكلمك، وإن كنت كاذباً فأنا أجل من أن أكلمك.

يعني: إذا أنت أعلى منا درجة فلا تنزل إلى مستوانا! بل ابحث لك عن أنبياء أو ملائكة -وهذا نوع من السخرية، ونوع من الاستهزاء برسل الله تبارك وتعالى- وإن كنت كاذباً فنحن خير منك ولا نكلم الكاذبين، وهذا نوع من التطاول على رسل الله تبارك وتعالى.