للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكبر بسبب الحسب]

أما الذي يفتخر بحسبه ونسبه فنقول له: لئن فخرت بآباء ذوي شرف لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا وفي المثل: قرعاء وتفتخر بشعر ابنتها، أو كما يقول القائل: يتعجب بكمال غيره وهو مسلوبه، إن كانت صفاته وذاته خسيسة فلا يجبر خسة ذاته وصفاته كمال غيره.

ثم نقول له: لو كان هذا الذي تفتخر به موجوداً لقال لك: إنما أنت دودة من بولي، والآخر دودة من بول المتكبر عليه، ولا فخر لدودة على دودة، فالاثنان متساويان، فلا يوجد هناك فخر بينهما.

ومع هذا فإننا نقول له: حسبك وهو جدك البعيد تراب بلي، وأبوك القريب ماء مهين، وأنت خرجت من مجرى البول مرتين.

جلس مصعب بن الزبير على سرير الملك في العراق، وقد اتكأ على أريكته ومد رجله، فدخل الأحنف بن قيس فرئي ذلك في وجهه، فقال: لقد خرجت من مجرى البول مرتين.

رأى مطرف بن عبد الله أميراً متبختراً فنهاه، فقال: ألا تعرفني؟ قال: أعرفك كما أعرف نفسي، جدك البعيد تراب بلي، وأبوك القريب ماء مهين، وأنت خرجت من مجرى البول مرتين، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين هذا وذاك تحمل العذرة.

قال الله تعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:١٧ - ٢٢].

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:٧٧ - ٧٨].

بئس العبد عبد سها ولها ونسى المبدأ والمنتهى! بئس العبد عبد طغى وعصى ونسى الجبار الأعلى! بئس العبد عبد سها ولها ونسى المقابر والبلى! أصلك التراب يوطأ بالأقدام، وفصلك ماء مهين تغسل منه الأبدان، فلا قدر لك، إنما قدرك التقوى، فلا يجوز لأحد أن يتطاول على أحد.