للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى التزكية في اللغة والشرع]

والتزكية -يا إخوتاه- في اللغة تدور حول الطهارة والنماء والبركة.

وهي شرعاً تدور حول هذه أيضاً.

فالتزكية شرعاً: تطهير النفس والقلب من أمراضها ومن ظلماتها ومن نجاستها ومن شهواتها الحسية والمعنوية.

هذا هو المراد بالتزكية، أي: تطهير النفس من أمراض النفوس، من الكفر والنفاق والفسوق والبدعة والشرك والرياء -فمن سمع سمع الله به مسامع خلقه، وصغره وحقره يوم القيامة- ومن حب الجاه والرئاسة.

وإن الرجل قد يزهد في المال ولا يزهد في الجاه، ولهذا كان صفوة الزهاد من عباد هذه الأمة أبعد الناس عن الجاه والرئاسة، فهذا محمد بن يوسف الأصبهاني المسمى بعروس العباد ما كان يشتري خبزه من بقال واحد، ولما سئل عن ذلك قال: أخاف أن يعرفوني فيكرموني من أجل ديني، فأكون ممن يعيش بدينه، أو ممن يأكل بدينه.

ويدخل عبد الله بن محيريز عالم الشام وعابدها -الذي قال فيه الأوزاعي: إني أعد بقاء ابن محيريز أماناً لأهل الأرض- السوق فيشتري من بائع ولا يعرفه البائع، وبعد أن انتهى من الشراء أتى رجل إلى البائع فقال: إنه ابن محيريز عابد أهل الشام، فقال: ما كنت أعرفه، فولى عبد الله بن محيريز تاركاً السوق وقال: إنما نشتري بأموالنا لا بديننا.

وأيضاً التزكية تطهير النفس من الحسد والعجب والكبر والسحت والغرور والغضب وحب الدنيا واتباع الهوى.

وأيضاً تطهير النفس من طول الأمل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، وهلاك آخرها بالبخل والأمل).

وإن سيد التابعين الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيد التابعين أويس القرني رجل بار بأمه، لو أقسم على الله لأبره، مروه فليستغفر لكم)، يقول فيه الإمام أحمد: الزهد زهد أويس كان يمنعه العري من حضور الجماعات، فكان يجلس في قوصرة وربما منعه العري أحياناً من حضور الجماعات، وهو سيد التابعين.

وأيضاً التزكية تطهير النفس من حب الدنيا، والعيش للدنيا لا يليق بمن شبوا عن الطوق، قال تعالى: {إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد:٣٦].

فاللعب لا يليق بمن شبوا عن الطوق من الرجال، وأنت عندما تجد رجلاً كبيراً في السن يلعب بلعبة لطفل سنه خمس سنين، تقول له: يا رجل! اتركها للأطفال الصغار.

فالعيش للدنيا والعمل للدنيا لا يليق بمن شبوا عن الطوق، والعيش في المستنقع الآسن والوحل وشهوات هذه الدنيا لا يليق بالرجال.

يقول سيدنا يحيى بن زكريا: أو للعلب خلقنا؟! إنما خلقنا لنحيا مع الخالق في دار غرسها الرحمن بيده.