للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محراب مريم في بيت المقدس]

ومن فضائل هذه الأرض: أن فيها محراب مريم التي تولت خدمة بيت المقدس: قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} [آل عمران:٣٧] أي: في المسجد الأقصى، {وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:٣٧]، والمقصود بالمحراب: محراب المسجد الأقصى، وهو محراب زكريا عليه السلام.

ففي المسجد الأقصى سالت دموع زكريا وانطلقت دعواته خاشعة تبلل أجواء المسجد، فسأل ربه أن يهبه غلاماً يرث به ميراث يعقوب من النبوة فقال: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم:٦] فأعطى الله عز وجل لزكريا ما تمنى في بيت المقدس.

فكان الميلاد الفذ ليحيى، فيعطاه والده وقد كبر وطعن في السن وشاخ، وأمه كانت عاقراً، لكن يعطيه الله تبارك وتعالى جزاء التبتل والطاعة والرغبة والرهبة والخشوع لله تبارك وتعالى.

ويسميه الله جل وعلا يحيى وما سمى قبله أحداً، فهذا الاسم الفريد الذي ما تسمى به أحد سمي الله عز وجل ابن زكريا به، وجعله الله سيداً وحصوراً ونبياً من أنبياء بني إسرائيل، فذبحوه من أجل راقصة تسمى سالومي كانت عشيقة للملك هي وأمها، وأراد الملك أن يتزوج من بعض محارمه فوقف له نبي الله يحيى، وكانت عشيقة الملك تريد شيئاً من الفجور مع يحيى فأبى عليها وهو السيد الحصور، فتمنت أن تكيد ليحيى فقالت لابنتها: إذا قال لك الملك في ساعة صفاء ما تريدين فقولي له: أريد رأس يحيى.

ففعلت، فدعا بقاتلين من بني إسرائيل فذهبا وذبحا نبي الله يحيى، ثم أتت البنت برأس يحيى إلى أمها، ثم أتت إلى أمها فغاصت في الأرض إلى كعبيها، ثم إلى ركبتيها، ثم إلى حقويها، فنادت أمها السياف فقالت: جز رأس بنتي، فقد خافت عليها أن تغوص في الأرض بشكل كامل كما جزت رأس يحيى جُزَّ رأسها أمام أمها، بل وبأمر أمها.

ثم بعد ذلك كان الميلاد الفذ لسيدنا عيسى عليه السلام وقد كان بأرض فلسطين؛ لكن اليهود قالوا في مريم ما قالوا: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء:١٥٦].

ثم أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وكان الإسراء بالروح والجسد، فقد رأى المسجد الأقصى رؤيا عين وليست رؤيا منامية.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثلها قط، قال: فرفعه الله إلي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم -يعني: نفسه- فحانت الصلاة فآذنتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد! هذا مالك صاحب النار فسلم عليه، فالتفت إليه فبدأني بالسلام).

وقد أنكر صلاته صلى الله عليه وسلم بالنبيين سيدنا حذيفة بن اليمان ولكن هذا القول خالف فيه كل الصحابة، وأنكر كذلك أنه ربط البراق بالحلقة التي كان يربط فيها الأنبياء، ولكن هذا القول لا يصح.

الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء إماماً في هذه الليلة، والصلاة اختلف فيها أهل العلم فمن قائل يقول: إنه صلى قبل أن يعرج إلى السماء، ولكن الشيخ الألباني يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به فدخل المسجد ثم صلى فيه ركعتين وربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء، ثم عرج إلى السماء فعرفه جبريل بالأنبياء كل في سماء، وبعد أن عرفه نزل بهم إلى الأرض فصلى بهم في بيت المقدس.

قال الشيخ الألباني: وهذا هو الصحيح.

والشيخ ابن كثير يقول: سواء كان هذا أو ذاك فهما ثابتان، والأصح أنه صلى بهم بعد أن نزل بهم من فصلى بهم في المسجد الأقصى، يعني: عرفهم أولاً في السماوات ثم أتى فصلى بهم في المسجد الأقصى.

وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالنبيين إماماً واعترفوا له بأنه نبي هذا الزمان، وإليه صارت ملكية هذا المكان ولقومه من بعده.

خطا موسى على زبد الصحاري تشق عن الرمال هوى دفينا هوى تتفتح الأكمام منه وتنفح من بشائره يقينا دعاء أبيه إبراهيم بشرى يرجع من صداها المرسلونا تفض على صفوف العيب نصراً لأحمد يأخذ العهد الأمينا بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.