للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أوصاف الله العظيمة تقتضي أنه أحق بمحبة العبد]

لقد أعطاك أيتها النفس! ما لم تأملي، وبلغك ما لم تطلبي، وستر عليك من القبيح ما لو فاح ضجت المشام، كم عدو حط منك بالذم فرقاك؟ كم أعطش من شراب الأماني خلقاً وسقاك؟ كم أمات بعض من لم يبلغ مرادك وأبقاك؟ من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر في إجابته، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأعجب من هذا علمك أنك لابد لك منه وأنك أحوج شيء إليه وأنت فيما يبعدك عنه راغب.

تدبر أن لك رباً استوى على العرش يدبر أمر الممالك يأمر وينهى، يعز ويذل، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، قلوب العباد إليه مفضية، الغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

أحاط بجميع الأصوات وعلمها، على اختلاف لهجاتها، وعلى كثرة شكايتها وحاجتها، لا يعجزه صوت عن صوت، ولا يتبرم بكثرة المسألة، أحاط بصره بجميع المرئيات، ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.

وهو العليم أحاط علماً بالذي في الكون من سر ومن إعلان وكذاك يعلم ما يكون غداً وما قد كان والموجود في ذا الآن وكذاك أمر لم يكن لو كان كيف يكون ذاك الأمر ذا إمكانا وهو البصير يرى دبيب النملة السوداء فوق الصخر والصوان ويرى مجاري القوت في أعضائها ويرى بياض عروقها بعيان ويرى خيانات العيون بلحظها ويرى كذاك تقلب الأجفان والله أمر أهل طاعته وأهل مجالسته ألا يقنطوا من رحمته، إن تابوا إليه فهو حبيبهم، وإن لم يتوبوا فهو طبيبهم، يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعائب، كل إنسان إذا خفته تهرب منه، أما الله عز وجل فإنك إذا خفته تهرب إليه.

ينادى على باب عزته: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣]، ويصاح على محجة حجته: {لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:٨٤].

تترنم المخلوقات بفضله، {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:٥٣].