للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجهاد مراحله وأنواعه]

وجهاد النفس أربع مراتب: العلم، والعمل، والدعوة، والصبر على أذى الناس، وجهاد الشيطان، وجهاد الشهوات التي يزينها الشيطان لك، ثم بعد ذلك جهاد الشبهات التي يلقيها عليك الشيطان، وجهاد الشهوات يكون بالصبر، أما جهاد الشبهات فيكون باليقين في آيات الله عز وجل، ثم بعد ذلك جهاد المبتدعة باللسان، ثم بعد ذلك جهاد المنافقين باللسان: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:٧٣]، فأي زنديق يطعن في دين الله عز وجل، أو يتكلم في دين الله عز وجل، أو يطعن في الصلاة التي هي أساس دين الله عز وجل فعليك أن تجاهده، وتبين عواره للناس.

ثم جهاد الكفار، ويكون بالسيف واللسان كذلك، وقد مر الجهاد بمراحل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمرحلة الأولى: هي مرحلة الكف، وفيها لم يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال أي رجل من الكافرين في مكة، ثم بعد هذا جاء الإذن بقتال من قاتله، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج:٣٩]، ثم بعد هذا جاء الأمر بوجوب قتال من قاتلك، وأما من سالمك من الكفار فلا تقاتله، ثم أتت المرحلة الرابعة: وهي مرحلة السيف، فابدأ بالقتال لكل الناس حتى يسلموا لله عز وجل، أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

وهذه المرحلة الرابعة هي التي قال فيها جمهور أهل العلم: إنها ناسخة لما قبلها من المراحل، وهذا قول ابن كثير وابن تيمية وابن القيم والقرطبي وابن عباس ومجاهد وقتادة، ومعنى ناسخة أي: مزيلة لحكم المراحل التي قبلها، وليس هو النسخ بالمعنى الأصولي عند الفقهاء؛ لأن النسخ في اصطلاح المتقدمين من علماء السلف ليس كالنسخ في اصطلاح المتأخرين، فمثال النسخ في اصطلاح المتأخرين: أن الناس كانوا يصلون لبيت المقدس فنسخ هذا وأمرهم الله بالتحول إلى البيت الحرام، فالحكم الأول أزيل نهائياً ولا يعمل به في أي وقت من الأوقات، لكن النسخ عند العلماء المتقدمين معناه: التفسير والتبيين، ومن أمثلته: تقييد المطلق، وتخصيص العام، فعندما يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:١٠٢].

وقال في آية أخرى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦]، فـ ابن تيمية يقول: إن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية، أي: مبينة ومفسرة لمعنى الآية الأولى؛ ولذا قال العلماء: إن آية السيف ليست ناسخة وإنما هي ناسئة، كما في قوله عز وجل: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} [البقرة:١٠٦]، ومعنى الكلام كما قال بعض أهل العلم: أن على المسلمين العمل بآيات الصفح والعفو في زمن الاستضعاف، والعمل بآية السيف في حال القوة والتمكين.