للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الثوري ومنزلته عند مشايخه وأقرانه]

أجل إسناد لأهل العراق: سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله.

قال شعبة بن الحجاج -وهو من شيوخ سفيان ومن أقرانه- وابن عيينة -وهو: سفيان بن عيينة الذي قال فيه الإمام الشافعي: لولا مالك وابن عيينة ضاع علم الحجاز- وأبو عاصم ويحيى بن معين وغيرهم: سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث.

وقال عبد الله بن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان.

وعن أيوب السختياني الذي نفع الله به سيدنا سفيان الثوري، وذلك أن الشيعة كادوا يجرونه إلى اعتقادهم الفاسد، فنفع الله بـ أيوب سفيان، قال: ما لقيت كوفياً أفضله على سفيان الثوري.

وقال يونس بن عبيد تلميذ الحسن البصري: ما رأيت أفضل من سفيان، فقيل له: قد رأيت سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاءً ومجاهداً وتقول هذا؟! قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان.

وقال عبد الرحمن بن مهدي -وهو الإمام الذي كان يحضر مجلسه تسعون ألفاً معهم المحابر- قال: ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من سفيان الثوري، ولا أشد تقشفاً وزهداً من شعبة، ولا أعقل من مالك، ولا أنصح للأمة من عبد الله بن المبارك.

وهذا شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث يلقب بـ شعبة الخير، وكان يحدث عن الضخام، قالوا: يبس جلده على عظمه من شدة العبادة، وكنت إذا رأيته سجد قلت: قد مات يقول شعبة: سفيان أحفظ مني.

وقال رجل لـ شعبة: خالفك سفيان -في راو من الرواة- قال: دمغتني إذاً.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان وهيب بن الورد طبيب القلوب، كان يقدم سفيان الثوري في الحفظ على مالك بن أنس، الذي قال فيه الشافعي: إذا جاء الأثر فـ مالك النجم.

وقال يحيى القطان: ليس أحد أحب إلي من شعبة ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان.

وقال عباس الدوري: رأيت يحيى بن معين لا يقدم على سفيان أحداً في زمانه في الفقه والحديث والزهد وكل شيء.

وقال ابن مهدي: رأى أبو إسحاق السبيعي سفيان الثوري مقبلاً فقال: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم:١٢].

وعن أبي حنيفة قال: لو كان سفيان الثوري في التابعين لكان فيهم له شأن.

وقال أبو حنيفة: لو حضر علقمة والأسود -وهما من التابعين- لاحتاجا إلى سفيان.

وقال المثنى بن وضاح: سفيان عالم الأمة وعابدها.

وقال ابن أبي ذئب -سيد أهل المدينة-: ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري.

وقال شعبة: زاد سفيان على الناس بالورع والعلم.

وقال شعبة: سفيان أمير المؤمنين في الحديث.

وقال ابن عيينة: ما رأيت رجلاً أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري.

وقال ابن المبارك: ما نعت لي أحد فرأيته إلا وجدته دون نعته إلا سفيان الثوري.

وقال أحمد بن حنبل: قال لي ابن عيينة: لن ترى بعينيك مثل سفيان الثوري حتى تموت.

وقال عبد الله بن المبارك: ما أعلم على الأرض أعلم من سفيان.

وقال حفص بن غياث: ما أدركنا مثل سفيان، ولا أنفع من مجالسته.

وقال يحيى بن سعيد: سفيان أثبت من شعبة وأعلم بالرجال.

وقال الفضيل بن عياض: كان سفيان أعلم من أبي حنيفة.

وقال ابن راهويه شيخ الإمام الشافعي وشيخ الإمام البخاري: سمعت عبد الرحمن بن مهدي ذكر سفيان وشعبة ومالكاً وابن المبارك فقال: كان أعلمهم بالعلم سفيان.

وهذا بشر بن الحارث الحافي إمام الدنيا كلها في الزهد والورع، كان الإمام أحمد إذا سئل عن مسألة من مسائل الزهد قال: أتسألوني عن الزهد وفيكم بشر؟! وقال: لو تزوج بشر لكملت رياسته.

جاءت مرة أخت سيدنا بشر بن الحارث الحافي تسأل الإمام أحمد، تقول: يا إمام! أنين المريض شكوى؟ وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم قال: نرجو ألا يكون ذلك، ما سئلت عن مثل هذا السؤال من قبل، فلما حضر الإمام أحمد بن حنبل الموت عرف أن أنين المريض شكوى، فما أن ابن حنبل حتى مات، ولذلك من الأدب حينما تذهب إلى الطبيب تقول له بعد حمد الله عز وجل: أشكو كذا وكذا، قالوا: الشكوى بعد الحمد ليست بشكوى.

فقال: ما سئلت عن مثل هذا السؤال من قبل، فقالت: يا إمام! إنا نغزل غزلنا على ضوء مصباح مشاعل الظاهرية، وكانوا قوم سوء ظلمة، فإذا انطفأ غزلناه على ضوء القمر، أنبينه للناس؟ قال: بينيه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فلما ذهبت قال الإمام أحمد لابنه عبد الله: اذهب يا بني! فاتبعها، فقال: دخلت بيت بشر، فقال: مثل هذه لا تكون إلا في بيت بشر، من بيتهم خرج الورع.

وكان بشر بن الحارث الحافي لا يشرب من السواقي التي حفرها أمراء الدولة العباسية في بغداد، وكان يشرب من مياه الآبار، ولما سئل عن ذلك قال: مع أن الماء في ذاته صالح للشرب إلا أن هذه السواقي حفرها أمراء ظلمة.

قال بشر بن الحارث: كان الثوري عندنا إمام الناس، وقال: سفيان في زمانه كـ أبي بكر وعمر في زمانهما.

وقال ورقاء: يا جماعة لم ير سفيان الثوري مثل نفسه.

وهذا شعيب بن حرب إمام حافظ من حفاظ السنة قال: إني لأحسب أنه يجاء غداً بـ سفيان حجة من الله على خلقه، يقول لهم: لم تدركوا نبيكم قد رأيتم سفيان، فقد كان سفيان يتمثل فيه علم النبوة.

وقال علي بن المديني: لا أعلم سفيان صحف في شيء قط، يعني: لم يكن يغلط في أسماء الرجال إلا في اسم امرأة أبي عبيدة بن الجراح، كان يقول: حفينة والصواب: بجيم: جفينة، فالمؤمن كيس فطن.

وروى أبو بكر المروزي تلميذ الإمام أحمد عن الإمام أحمد قال: أتدري من الإمام؟ الإمام سفيان الثوري لا يتقدمه أحد في قلبي.

يقول الإمام أحمد بن حنبل: روى عبد الله بن خبيب عن يوسف بن أسباط قال لي سفيان بعد العشاء: ناولني المطهرة أتوضأ، فناولته فأخذها بيمينه ووضع يساره على خده فبقي مفكراً ونمت، ثم قمت وقت الفجر فإذا المطهرة في يده كما هي، فقلت له: هذا الفجر قد طلع، قال: لم أزل منذ ناولتني المطهرة أتفكر في الآخرة حتى الساعة.

وقال شعبة: إن سفيان ساد الناس بالورع والعلم.

وقال قبيصة: ما جلست مع سفيان مجلساً إلا ذكرت الموت، وما رأيت أحداً كان أكثر ذكراً للموت منه.

قال يوسف بن أسباط: سئل الثوري عن مسألة وهو يشتري شيئاً فقال: دعني فإن قلبي عند درهمي.

وقال سفيان: لأن أخلف عشرة آلاف درهم يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن أحتاج إلى الناس.

وقال الثوري: كان المال فيما مضى يكره، أما اليوم فهو ترس المؤمن.

فهذه نصيحة غالية من إمام عظيم.

فالجزء الذي يطالبك به المولى عز وجل هو الاعتقاد، فإذا عرفت الواجب عليك في الفقه وفي علم الحديث وقال لك أبوك: لا تحضر الدرس فلا تحضره، واقرأ كتاب بر الوالدين للإمام الطرطوشي، وهذه أمور لم يختلف فيها أهل العلم.

وهذا عبد الله بن المبارك كان تاجراً وكان يتاجر من أجل حفاظ الحديث، نعم المال الصالح للرجل الصالح، فلا بد من تنويع الكفاءات حتى تشمل احتياجات الأمة كلها.

جاء رجل إلى سفيان الثوري يشاوره في الحج، فقال: لا تصحب من يكرم عليك، إنك إن ساويته في النفقة أضر بك، وإن تفضل عليك استذل بك.

ونظر إليه رجل وفي يده دنانير فقال: يا أبا عبد الله! تمسك هذه الدنانير؟! قال: اسكت، فلولاها للتمندل بنا الملوك.

قال الذهبي: قلت: كان سفيان رأساً في الزهد والتقشف محبة لله عز وجل والشوق إليه، يعني: رأساً في الحفظ ومعرفة الآثام، ورأساً في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائم، من أئمة الدين وفيه