للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمر إبراهيم بأخذ زوجه هاجر وابنه إلى مكة]

يرزق إبراهيم بغلام حليم نجيب شهد الله تبارك وتعالى له بالنجابة من صغره، فيأمره الله عز وجل أن يذهب بزوجته وبولده إلى جبال صالان موضع مكة الآن، حيث الصحارى التي تتلظى ناراً ووهجاً، فيستجيب لأمر الله عز وجل ويرضى به، تقول له زوجه: يا إبراهيم! إلى من تتركنا في مثل هذا المكان القفر؟! آلله أمرك بهذا؟! يقول: نعم، تقول: إذاً: فلن يضيعنا.

فأي مكانة للتوكل أعظم من هذه! موقف لامرأة عظيمة مصرية يعجز عن مثله رجال الدنيا، إن أراد الناس أن يفتخروا وإن أراد المصريون أن يفتخروا فليفتخروا بأم إسماعيل هاجر، لا يفتخرون بأقباط وفراعنة قدماء كفرة لا شأن لهم عند الله عز وجل في ميزان الأرض ولا في ميزان السماء، هناك امرأة لها رسالة دكتوراة في التاريخ الإسلامي تثبت أن أم إسماعيل كانت بنتاً لفرعون مصر، وقد أهداها لخليل الرحمن إبراهيم، وهو مع كفره يقول لإبراهيم: نعم الرب ربك يا إبراهيم.

أم إسماعيل تقول: إذاً: فلن يضيعنا الله، ويذهب إبراهيم تاركاً لها ولولده، ثم بعد هذا يأتيها جبريل حينما يتلبط وهي تهرول ما بين الصفا والمروة باحثة عن الماء لرضيعها الذي يتلبط جوعاً، وهنا يتبدى لها جبريل، وفي رواية صحيحة يقول لها: من أنت؟ تقول: أنا أم إسماعيل وزوج إبراهيم.

يقول: إلى من وكلكما؟ تقول: إلى الله، وهي لا ترى أمامها إلا رمال الصحراء، يقول: وكلكما إلى خير كافل، لا تخشي الضيعة، إن الله لا يضيع أهله، فإن كان الله عز وجل لا يضيع أهله فهل يضيع دينه.

ويزعم أنه منا قريب وأنا لا نضيع من أتانا ويسألنا على الإقتار جوداً كأنا لا نراه ولا يرانا وقال الآخر: لا تدبر لك أمراً فأولي التدبير هلكى سلم الأمر تجدنا نحن أولى بك منكا فيحفظها من يحفظ موسى في ثبج البحر، ومن حفظ إبراهيم في لجج النيران، سبحان من جعل من ثبج البحر وموجه لموسى مستراحاً ومأمناً ومناماً، يحفظها من يحفظ يونس وهو في بطن الحوت: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:٨٧].

فهذه خطوات لامرأة ملؤها الصدق يجعلها الله عز وجل ركناً من أركان الحج كما يقول جمهور أهل العلم، هذا ما أوصتكموه أم إسماعيل يا بني ماء السماء، خطواتها بصدقها أصبحت ركناً من أركان الحج.

إن الله لا يضيع أهله، فالدرس الأول في هذا اليوم هو درس اليقين لأم إسماعيل ولإسماعيل ولإبراهيم عليهم السلام.

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص:٧] إن المرأة إذا خافت على وليدها ضمته إلى صدرها، فما بال الله عز وجل يلهم أم موسى أن تلقيه إلى ثبج البحر؟! حتى يصل إلى عدوه فرعون الذي كان يرسل الآلاف المؤلفة بحثاً عن طفل رضيع، فيذهب إليه الطفل دون حراسة؛ ليمضي أمر الله عز وجل، انظر كم قتل فرعون من أجل لقيا موسى، ولسان القدر يقول له: لا نربيه إلا في حجرك.

فمن وجد الله عز وجل فماذا فقد؟ ومن فقد الله عز وجل فماذا وجد؟!! وتتعدد صنوف الابتلاء لإبراهيم، فبعد أن يشب غلامه يأمره الله عز وجل في رؤيا منامية -ورؤيا الأنبياء وحي- بذبح ولده، ولم يقل له: أرسله إلى فلان ليذبحه، أو أرسله إلى مكان تعلم أنه سيهلك فيه، ولكن باشر أنت بنفسك عملية الذبح لولدك البكر؛ ليعظم البلاء.