للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنة الله في نصر المؤمنين على الكافرين]

سنة الله تبارك وتعالى في نصر المؤمنين لا تختلف؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح:٢٢ - ٢٣].

ويقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [الأنعام:٣٤].

ويقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:١٧١ - ١٧٣].

ويقول الله تبارك وتعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:٢١] وهذه الكتابة لا تتبدل ولا تتغير.

ويقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:٥١ - ٥٢].

يقول العلامة ابن كثير: وهذه سنة الله تبارك وتعالى في خلقه من قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين، ويقر أعينهم ممن آذاهم.

ويقول السدي: لن يبعث الله عز وجل رسولاً قط إلى قوم فيقتلونه، أو قوماً من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلونهم، فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممن فعل بهم ذلك في دار الدنيا، وهذا وعد الله تبارك وتعالى.

فالنصر قد يتأخر لنصر أكبر؛ وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى بالمؤمنين، فالفتح الأعظم هو فتح مكة وقد تأخر من بداية دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة إلى سنة (٨ هـ) قبل موت الرسول صلى الله عليه وسلم بعامين فقط، فقد كان هناك انتصارات؛ ولكن النصر النهائي كان قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعامين؛ ولا بد أن يحدث قبل النصر أذىً وتمحيص، كما قيل للإمام الشافعي: يبتلى الرجل أم يمكن؟ قال: لا يمكّن حتى يُبتلى، ولذلك نقول لكل الإخوة السلفيين: الإنسان لا يتمنى البلاء أبداً، ولا يتمنى السجون أبداً، نود لو دمرت السجون وخرج منها كل الموحدين! وقد تتعدد صنوف الابتلاء، وطالما أنك على الجادة فلا بد من ابتلاء؛ والابتلاء قد يكون بالفقر، وقد يكون بالمرض، وقد يكون بزوجة غير صالحة، وقد يكون بفتنة الأولاد، وقد يكون بنقص من الثمرات وبموت ولد، وبطء في الرزق، وبمرض معين، وليست الفتنة أن تكون في سجن فقط! وهذه هي سنة الله تبارك وتعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:١٤٠ - ١٤١].

فلا بد من التمحيص؛ لأن من يريد جوار بلال وعمار لا بد أن يكون على طريقتهم، فـ عمار رضي الله عنه ما كان يكفر أحداً إلا الكافرين، كذلك ابن تيمية الذي أُلقي في السجن حتى مات ما ذهب ليكفر الناس الذين عذبوه في السجن، والمعتزلة اختلفت الأمة في تكفير أعيانهم، والرأي الأقوى أنهم لا يكفرون، ومع أن المأمون كان يقول بفكر المعتزلة لكن لم يكفره الإمام أحمد بن حنبل.

فسنة الله تبارك وتعالى أنه لا بد من التمحيص، والذي يتصور أن الحركة الإسلامية من الممكن أن تستقر وتنتشر في ربوع البلاد بدون تمحيص فليجلس في بيته، يقول ابن القيم: أول الأمر بذل الدم وإلا فدع عنك الترهات.

ويقول أيضاً: أين أنت يا مخنث العزم والطريق طويل، تعب فيه آدم، وناح فيه نوح، وأُلقي في النار إبراهيم، وأضجع للذبح إسماعيل، وشق بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وعاش مع الوحوش عيسى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بالبكاء داود، واتهم بالسحر والشعوذة والجنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن لن نكون أكرم على الله تبارك وتعالى من رسوله الذي أوذي وشد الحجر على بطنه من شدة الجوع، بل إن يوسف عليه السلام كان أميناً على خزائن الأرض وكان لا يشبع، فسئل عن ذلك؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجياع، ونحن نقول: إنّا على الدرب سائرون، ولكننا ما شددنا حجراً في يوم من الأيام، وما ابتلينا.

إن سيدنا أبا بكر صدِّيق هذه الأمة ضُرب بالنعل على وجهه من قبل عقبة بن أبي معيط وكان ينزو على بطنه حتى أقبلت بنو تيم وهم لا يشكون في موته ولا يعرفون أنفه من وجهه، وتقول أسماء: وجعل أبو بكر رضي الله عنه لا يمس شيئاً من شعره إلا وسقط معها شيء من لحم الرأس.

فإذا أردت أن تلحق بركاب الناس فعلى الأقل ادع إلى الله تبارك وتعالى، وتعلم شيئاً ينفعك في دينك، فلو ضاقت علينا الدنيا كلها، فعلى كل واحد أن يمسك عائلته ويدعو فيها؛ وليقم الرجل خطيباً في قبيلته، حتى لو سدوا عليك أبواب الدعوة وأودعوك السجن، ولم يبعثوا أحداً ليتقصى أخبارك! فأقل شيء أن تدعو عائلتك، وقد يتأخر نصر الله تبارك وتعالى لعدم وجود الإيمان، أو لعدم كماله؛ فهذا الشيخ عبد الكريم زيدان يقول: واقع المسلمين لا ينقض سنة الله في نصر المؤمنين، إن سنة الله في نصر المؤمنين قررها الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم، وهي سنة مؤكدة يقيناً لا يخالطنا فيها ذرة من الشك بسبب ما يُرى من واقع المسلمين من كونهم مغلوبين لا غالبين، بل مقهورون من قبل أعدائهم غير منصورين عليهم؛ لأن هذه السنة وهي نصر المؤمنين حين يكونون موصوفين بأوصاف الإيمان وبمعانيه التي بينها الله في كتابه، لا بمعاني الإيمان في مخيلاتهم ومقاييسهم بأمانيهم، فإن انتصارهم على أهل الباطل كائن.