للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[متفرقات من أمر السلف بالمعروف ونهيهم عن المنكر]

والإمام الثوري إمام أهل الدنيا كلها يقول عنه الإمام أحمد: لا أحد يعدل مكانة سفيان في قلبي، كان يقول: كنت إذا رأيت الأمر لا أمر فيه بالمعروف ولا أنهى فيه عن المنكر، أبو الدم كمداً.

قال الإمام سفيان الثوري لـ أبي جعفر المنصور: الظلم فاش ببابك، وإني أرى أموراً لا قبل لي بها.

فقال له المهدي: خذ خاتمي هذا، فاؤمر الأمة بالمعروف، وانه عن المنكر، واعمل بكتاب الله فيها، قال: لا، ما دام هؤلاء معه، يعني: حاشية السوء وبطانته معه.

والإمام ابن أبي ذئب إمام أهل المدينة لما دخل الخليفة المهدي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قام الناس له إلا ابن أبي ذئب، فأتى رجل من الحرس وقال لـ ابن أبي ذئب: قم، فقال: اسكت يا رجل! إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدي: دعه فوالله! لقد قامت كل شعرة في رأسي من قوله.

يقول له أبو جعفر: ما قولك في؟ قال: اعفني يا أمير المؤمنين.

قال: والله لا أعفيك.

قال: إنك رجل لا تقسم بالسوية، ولا تعدل في القضية.

فقال والي من ولاة الشام: طهره بدمه يا أمير المؤمنين.

قال أبو جعفر: اسكت يا رجل، فليس في دم امرئ مسلم طهور، فوالله! ما أهلك فرعون إلا هامان.

والليث بن سعد عالم أهل مصر يقول له هارون الرشيد: ما صلاح بلدتكم مصر؟ قال: صلاح بلدتنا بجريان النيل، وإصلاح أميرها، فإن الأمير رأس العين، وإذا صفيت العين صفيت السواقي.

قال: صدقت يا ليث.

والعمري: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر من نسل سيدنا عمر بن الخطاب، كان يقف للرشيد ويظل يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر حتى يغشى على الرشيد.

فقال له مرة في الحج وهما في جبل عرفات: يا أمير المؤمنين! كم عدد هؤلاء الحجاج؟ قال: لا يحصيهم إلا الله عز وجل، قال: وكم في الخلق مثلهم؟ قال: لا يحصيهم إلا الله عز وجل، قال: اعلم أن كل رجل من هؤلاء يسأل عن نفسه خاصة، وتسأل أنت عن هؤلاء، فبكى هارون الرشيد حتى غشي عليه.

وقال عالم آخر: يا هارون! إن الرجل إذا أسرف في ماله استحق أن يحجر عليه، فكيف بمن أسرف في أموال المسلمين؟ فكان هارون الرشيد يخاف من العمري، والعمري هذا شخصية عظيمة في تاريخنا قد لا يسمع بها الكثير، فهو إمام عابد وعالم عظيم.

وبهلول المجنون كان يسمى بالمجنون وهو من عقلاء البصرة، قال له هارون: عظني يا بهلول! قال: قد ملكك الله الأرض كلها، وخضع لك الجميع، وغداً تموت وتقف بين يدي الله تعالى، وهو سائلك عن النقير والفتيل والقطمير، فيبكي هارون الرشيد، ثم يقول له: هل عليك دين يا بهلول؟ فيقول: دين لربي، فويل لي إن حاسبني، وويل لي إن ناقشني، وويل لي إن لم يعف عني.

فأراد أن يصله بصلة، فيقول له: ردها إلى من أخذتها منهم يا هارون.