للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذم العلم من غير عمل والعكس]

يقول لك رجل من العوام: يا أخي! اتق الله عز وجل واستح، فهو يراك رجلاً داعية من دعاة المسلمين، ثم لا تطبق ذلك على نفسك، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:٢ - ٣].

وفي حديث جندب بن عبد الله الذي جود إسناده الشيخ الألباني فيما رواه الطبراني والضياء المقدسي في المختارة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل المصباح يضيء للناس ويحرق نفسه).

وقال عبد الله بن مسعود: تعلموا، فإذا علمتم فاعملوا.

وقال أبو هريرة رضي الله عنه: مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله عز وجل.

يقول سيدنا عيسى عليه السلام في المنسوب إليه: حتى متى تصفون الطريق للمدلجين وأنتم مقيمون مع المتحيرين.

يقول الحسن البصري رحمه الله: واعجباه من ألسنة تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخالف.

ويقول إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أعربنا في القول، ولحنا في العمل.

ويقول سهل بن عبد الله التستري: العلم كله دنيا، والآخرة منه العمل به.

ويقول أبو عبد الله الروذباري: العلم موقوف على العمل، والعمل موقوف على الإخلاص، والإخلاص لله تبارك وتعالى يورث الفهم عن الله تبارك وتعالى.

وقال محمد بن المنكدر رحمه الله: العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه حل وإلا ارتحل.

قم بالخير موصوفاً، ولا تقم بالخير وصافاً؛ فإن الواو والراء والدال لا تشم منها رائحة الورد.

يقول الجنيد رحمه الله: متى ما أردت أن تتشرف بالعلم وتنسب إليه قبل أن تؤدي حق هذا العلم عليك احتجب عنك نوره، وبقي عليك رسمه، وظهور هذا العلم عليك لا لك.

يعني: إذا لم تؤد حق العلم من العمل به يبقى لك مسمى العلم، ويذهب عنك نوره وبركته.

يقول مصطفى صادق الرافعي في كتابه القيم وحي القلم: إن الخطأ الأكبر أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك.

يقول الشاعر: وبخت غيرك بالعمى فأفدته بصراً وأنت محسن لعماك كفتيلة المصباح تحرق نفسها وتضيء للأعشى وأنت كذاك المولى تبارك وتعالى ذم من لا يعمل بعلمه فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:١٥٩] أي: في الدنيا والآخرة، فلا يزكيهم الله عز وجل، ولا ينظر إليهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثر منافقي أمتي قراؤها).

ولقد نعت الله عز وجل من يعلم ولا يعمل بعلمه بأقبح نعتين في القرآن الكريم: فوصفهم بأنهم كالحمير، وأنهم كالكلاب؛ قال الله تبارك وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:٥]، وقال الله تبارك وتعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:١٧٦].

فهذا أقبح مثل لعالم السوء! ضل حمار العلم في الطين: وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها