للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكلام على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا]

هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ هذا أمر فيه خلاف بين أهل السنة والجماعة.

قال العلماء: إن رؤية الله تبارك تعالى يقظة لا تجوز في دار الدنيا لا تجوز للمؤمنين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت).

وبعض الناس يجوزون رؤية الله عياناً في دار الدنيا، وهؤلاء هم الصوفية، بل يجوزون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يرى يقظة في دار الدنيا، وهذا قال به طائفة من علماء الصوفية، ويقول به الشيوخ المنتسبين إلى الحركة الإسلامية في باكستان فهم يقولون بجواز رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع كشف الحسابات الخاصة بدار العلوم عندهم وهذا كلام لا يقول به سليم العقل! أما بالنسبة لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه فالعلماء فيها على ثلاثة أقوال: منهم من توقف فلم يثبت الرؤيا ولم ينفها كالإمام القرطبي.

ومنهم من أثبت الرؤيا، وهم: سيدنا عبد الله بن عباس، والحسن البصري، وعكرمة، وعروة بن الزبير، وابن شهاب الزهري، وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأكثر الأشاعرة، وانتصر لذلك الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه (الغنية في مسألة الرؤية).

وكان ابن عباس يقول: إن الله اختص محمداً بالرؤية مثلما اختص موسى بالكلام، واختص إبراهيم بالخلة.

والخلة ثابتة والتكليم ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم.

وكان الحسن البصري يحلف بالله أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه.

أما من نفاها فهم أكثر أهل السنة وجمهور الصحابة كـ عائشة رضي الله عنها وأنس، وأبي ذر رضي الله عنه، وجمهور علماء السنة من بعدهم.

وابن عباس له روايتان: رواية مطلقة بأن النبي رأى ربه، ورواية مقيدة أنه رأى ربه بفؤاده، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه يعني: الرؤيا المنامية.

أما الذين نفوا الرؤية وهو القول الأصح فمنهم السيدة عائشة فلما قال لها مسروق بن عبد الله الأجدع: إن كعب الأحبار يقول إن محمداً رأى ربه، قالت: لقد قف شعري مما تقول، من قال لكم أن محمداً قد رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله عز وجل.

وإن أبا ذر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه؟) و (نور) هنا فسرها العلماء أنه حجاب النور الذي حال بينه وبين رؤيته.

وأصح الأقوال ما قال الإمام ابن كثير، والإمام البيهقي: أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ثابتة مناماً بالقلب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا) وكل ما يأتيه في المنام يكون وحياً.

ولذلك كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم -كما يقول ابن عباس -: أنه ربما نام حتى يسمع غطيطه ثم قام فصلى ولم يتوضأ، فلا يأتي أحد يقول لك: نحن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فنقوم من النوم ونصلي مباشرة، لأن ذلك من خواص النبي صلى الله عليه وسلم.

وربما كان يأتيه الوحي مناماً.

أما حديث اختصام الملأ الأعلى، الذي قال عنه الإمام الترمذي: سألت عنه محمد بن إسماعيل البخاري فقال حديث حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني، وشرحه الإمام ابن رجب الحنبلي في كتاب (اختيار الألى شرح حديث اختصام الملأ الأعلى) فهو قوله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي فيما يرى النائم في أحسن حلة).