للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خصائص شهر رمضان]

أما عن رمضان، وما أدراك ما رمضان! فهو تاج على مفرق الدهور وممر الأعوام، له خصائص طيبة تميّز بها عن باقي الشهور، وهي كالتالي: الأولى: أنه شهر يزاد فيه ثواب الأعمال؛ لقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي).

والعمرة: سنة مؤكدة على أرجح أقوال العلماء، ولا تصل إلى ثواب الحج وهو فرض، فيضاعف الله تبارك وتعالى ثواب العمرة في رمضان حتى تصير مثل حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن ثواب الأعمال يضاعف في رمضان، وكذلك ثواب الصدقات، وثواب الصلاة، وثواب القيام، كل هذا يضاعف، فما ظنكم بالثواب المضاعف ويُضاعف؟! فاتق الله تبارك وتعالى، ولا تبع الليل ولا رمضان بلقمة بها تُحرم منحة (تتجافى)، وبها تُحرم عتاب: (كذب من ادعى محبتي، فإذا جنه الليل نام عني)، أليس كل حبيب يحب الخلوة بحبيبه؟ يا إخوتاه! إذا جن الغاسق حن العاشق، وقلوب المحبين جمرة تحت شحمة الليل، إذا هب عليها نسيم السحر أجج ما فيها من شوق إلى الله تبارك وتعالى، فاحرصوا على لحظات رمضان.

أخي! قد قيد الصد قدميك، وغل الإبعاد يديك، أفما لك عين تبكي لو بعت لحظة من رمضان بملك قارون في عمر نوح، ولو فعلت لغبنت وما ربحت، فحافظ على هذه الأنفاس التي تخرج إلى الله تبارك وتعالى، واملأها بجواهر تزيد في ميزان أعمالك يوم لقي الله تبارك وتعالى، وهنا يفرح الصادقون.

الخاصية الثانية لرمضان: أنه شهر نزول القرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:١٨٥].

وفي نزول القرآن في رمضان قولان: الأول: قال ابن عباس: معنى نزوله: أن نزوله من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا كان في رمضان.

ونحن نؤمن باللوح، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى خلق لوحاً من درة بيضاء، دفتاه من ياقوتة حمراء، عرضه ما بين السماء والأرض، قلمه نور، وكتابه نور، ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، يخلق بكل نظرة ويحيي ويميت، ويفعل ما يشاء).

المعنى الثاني: أن بدء نزول القرآن الكريم على قلب رسولنا صلى الله عليه وسلم، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام كان في ليلة القدر في رمضان.

وهو شهر نزول كل الكتب السماوية؛ لحديث واثلة بن الأسقع -وحسنه الشيخ الألباني - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان) على اختلاف العلماء في تحديد ليلة القدر، وأن الوتر يكون باعتبار ما مضى من الشهر، فإذا عددت من أول الشهر تكون ليلة واحد وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين هي أرجى الليالي موافقة لليلة القدر.

وإذا عددت من آخر الشهر؛ لحديث أبي سعيد الخدري لواحدة بقين، لثلاث بقين، لخمس بقين، فبهذا الحساب من آخر الشهر قد تكون ليالي الوتر وترية باعتبار ما تبقى من الشهر، وتكون شفعاً باعتبار ما مضى من الشهر.

إذاً: فشهر رمضان شهر نزول كل الكتب السماوية كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.

قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:٥١] فالقرآن كاف لكل ذي لب.