للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٦٦١٩ - صح- محمد ابن حبان أبو حاتم البستي الحافظ.]

صاحب الأنواع ومؤلف كتابي الجرح والتعديل وغير ذلك كان من أئمة زمانه فطلب العلم على رأس سنة ثلاث مِئَة وأدرك أبا خليفة وأبا عبد الرحمن النسائي وكتب بالشام والحجاز ومصر والعراق والجزيرة وخراسان وولي قضاء سمرقند مدة. ⦗٤٧⦘

وكان عارفا بالطب والنجوم والكلام والفقه رأسا في معرفة الحديث وقد سمع ببخارى من عمر بن محمد بن بُجَيْرٍ وقد سكن قبل الأربعين سنوات بنيسابور وبنى الخانكاه وحدث بمصنفاته ثم رد إلى وطنه.

وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح وذكره في طبقات الشافعية: غلط والغلط الفاحش في تصرفه , وصدق أبو عمرو , له أوهام كثيرة تتبع بعضها الحافظ ضياء الدين.

وقد بدت من ابن حبان هفوة فطعنوا فيه لها.

قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام: سألت يحيى بن عمار، عَن أبي حاتم ابن حبان فقال: رأيته ونحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه.

قلت: إنكاره للحد وإثباتكم الحد نوع من فضول الكلام والسكوت من الطرفين أولى إذ لم يأت نص بنفي ذلك، وَلا إثباته والله تعالى ليس كمثله شيء فمن أثبته قال له خصمه: جعلت لله حدا برأيك، وَلا نص معك بالحد , والمحدود مخلوق تعالى الله عن ذلك.

وقال هو له للنافي: ساويت ربك بالشيء المعدوم إذ المعدوم لا حد له فمن نزه الله وسكت سلم وتابع السلف. ⦗٤٨⦘

قال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت عبد الصمد بن محمد بن محمد يقول: سمعت أبي يقول: أنكروا على ابن حبان قوله: النبوة: العلم والعمل , وحكموا عليه بالزندقة , وهجر , وكتب فيه إلى الخليفة فأمر بقتله , وسمعت غيره يقول: لذلك أخرج إلى سمرقند.

قلت: لقوله محمل سائغ إن كان عناه أي: عماد النبوة العلم والعمل لأن الله لم يؤت النبوة والوحي إلا من اتصف بهذين النعتين وذلك لأن النبي يصير بالوحي عالما ويلزم من وجود العلم الإلهي العمل الصالح فصدق بهذا الاعتبار قوله النبوة: العلم اللدني , والعمل: المقرب إلى الله.

فالنبوة إذا تفسر بوجود هذين الوصفين الكاملين، وَلا سبيل إلى تحصيل هذين الوصفين بكمالهما إلا بالوحي الإلهي إذ الوحي الإلهي علم يقيني ما فيه ظن وعلم غير الأنبياء منه يقيني وأكثره ظني.

ثم النبوة ملازمة للعصمة، وَلا عصمة لغيرهم , ولو بلغ في العلم ما بلغ والخبر عن الشيء يصدق ببعض أركانه وأهم مقاصده غير أنَّا لا نسوغ لأحد إطلاق هذا إلا بقرينة كقوله عليه السلام: الحج عرفة.

وإن كان عنى الحصر أي ليس هي إلا العلم والعمل فهذه زندقة وفلسفة.

مات سنة أربع وخمسين وثلاث مِئَة. انتهى.

قال أبو سعد الإدريسي في تاريخ سمرقند: أبو حاتم محمد ابن حبان بن أحمد ابن حبان بن معاذ بن معبد بن مرة بن هَدِيَّة بن سعد التميمي الدارمي. وساق نسبه إلى دارم ثم إلى تميم بن مُر , ثم إلى عدنان. ⦗٤٩⦘

كان على قضاء سمرقند مدة طويلة وكان من فقهاء الدين وحفاظ الآثار والمشهورين في الأمصار والأقطار عالما بالطب والنجوم وفنون العلم ألف المسند الصحيح والتاريخ والضعفاء والكتب الكثيرة في كل فن وفقه الناس بسمرقند وبنى له الأمير أبو المظفر الساماني صفة لأهل العلم خصوصا لأهل الحديث ثم تحول إلى بست ومات بها.

وقال الحاكم: كان من أوعية العلم في اللغة والفقه والحديث والوعظ من عقلاء الرجال. ثم ذكر رحلته وتصانيفه فقال: خرج له من التصنيف في الحديث ما لم يسبق إليه وولي القضاء بسمرقند ونسا، وَغيرهما من مدن خراسان ودخل نيسابور مرتين وبنى الخانقاه وقرئت عليه جملة تصانيفه وكانت الرحلة إلى مصنفاته بخراسان.

وقد قال ابن حبان في أثناء صحيحه: لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ من إسبيجاب إلى الإسكندرية.

وقال الحاكم في ترجمته أيضًا: سمعت أبا علي، يعني النيسابوري شيخه - يقول وذكر كتاب المجروحين لأبي حاتم فقال: كان لعمر بن سعيد بن سنان المنجبي ابن رحل في الحديث وأدرك هؤلاء الشيوخ وهذا تصنيفه وأساء القول في أبي حاتم.

قال الحاكم: وأبو حاتم كبير في العلوم وكان يحسد لفضله , ثم أرخ وفاته في ليلة الجمعة ثامن شوال سنة أربع وخمسين ودفن بقرب داره التي جعلها مدرسة لأصحاب الحديث وجعل فيها خزانة كتب وجعلها تحت يد من يبذلها لمن يريد نسخ شيء منها شكر الله سعيه وأحسن مثوبته.

قلت: وقوله: قال له النافي: ساويت ربك بالشيء المعدوم إذ المعدوم لا حد له: قول نازل , فإنا لا نسلم أن القول بعدم الحد يفضي إلى مساواته بالمعدوم بعد تحقق وجوب وجوده. ⦗٥٠⦘

وقوله: بدت من ابن حبان هفوة طعنوا فيه لها , إن أراد القصة الأولى التي صدر بها كلامه فليست هذه بهفوة والحق أن الحق مع ابن حبان فيها , وإن أراد الثانية فقد اعتذر هو عنها أولا , فكيف يحكم عليه بأنه هفا ماذا إلا تعصب زائد على المتأولين.، وَابن حبان قد كان صاحب فنون وذكاء مفرط وحفظ واسع إلى الغاية , رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>