للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان رحمه الله يستفيد من كل دقيقة ففي فترة علاجه تلك، تعرف على علمائها وفضلائها، ثم (عاد إلى عنيزة ليكمل علمه وتدريسه مع نصح الأطباء له بأن لا يجهد نفسه، وأن يعطي لنفسه الراحة، لكنه لم يصبر على ترك العلم، وبدأ بالتعليم والتأليف والبحث مرّة أخرى) (١). ولكن (ما لبث أن عاوده المرض مرّة ثانيّة أشدّ مما كان عليه من قبل وفي ليلة الأربعاء ٢٢ من شهر جمادى الآخرة سنة ١٣٧٦هـ أحس بشيء في جسمه مثل البرد والقشعريرة، وبعد أن أكمل الدرس للطلاّب أتم صلاة العشاء الآخر إماماً وبعد السلام أحس بثقل وضعف، فأشار إلى بعض تلاميذه أن يمسك بيده ويذهب به إلى بيته، ففزع لذلك أناس آخرون من الذين حضر للصلاة، وما إن وصل الشيخ إلى بيته حتى أغمي عليه، ثم أفاق بعد ذلك وذكر الله وأنثى عليه وحمده، وتكلّم مع الموجودين عنده بكلام حسن وبعد ذلك عاوده الإغماء مرّة أخرى فلم يتكلم) (٢) وفي صباح يوم الخميس سقط القلم من بين أصابع الشيخ، وذاب الصوت القوي النديّ اللطيف، الذي ملأ طباق الأرض علماً، وسكت اللسان الذي جالت الحكمة والآي من فوقه، وأطبقت الشفتان اللتان طالما تحركتا بالفقه والتأويل والتفسير، وحيل بين الثرى وبين الثُريا برحيله، وحزن الكثير ممن لم يكن لهم لقاء مع الشيخ في حِلَق الدرس والتلقي بين يديه ... فكان وفاته ـ يرحمه الله ـ قبيل الفجر يوم الخميس الموافق ٢٢ جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وثلاثمائة وألف (١٣٧٦هـ).

فسالت الدموع بفقده، وحزنت القلوب برحيله، وكان ذلك اليوم مشهوداً في تاريخ مدينة عنيزة، فكان يوماً لا يوصف، لما كان فيه الناس من الأحوال السيئة لوفاة عالمها الجليل.

صليّ عليه بعد صلاة الظهر في الجامع الكبير بعنيّزة يوم الخميس، وكان الناس في حشد عظيم امتلأ الجامع بهم، وكان جمعٌ غفير من المصلين والمشيعين للصلاة عليه.

ثم دفن ـ رحمه الله ـ في مقبرة الشهوانيّة (شمالي عنيزة)، وبهذا قضى الشيخ ـ رحمه الله ـ حياته في العلم تعلماً وتعليماً وإفتاءً وتأليفاً، وتوفي عن عمر يناهز تسعاً وستين سنة، غفر الله له ورحمه وعفا عنه وأدخله فسيح جنانه.

[سيرة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:]

اسم عبد العزيز بن باز ومولده رحمه الله:


(١) الشيخ عبد الله البسام - علماء نجد خلال ستة قرون
(٢) حياة الشيخ عبد الرحمن السعدي في سطور - احمد القرعاوي

<<  <  ج: ص:  >  >>