للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا حجاب الملتزمين .. أن يرى المرء عمله .. فيكون عمله حجابا بينه وبين الله .. فمن الواجب ألا يرى عمله .. وإنما يسير بين مطلعة المنّة .. ومشاهدة عيب النفس والعمل .. يطاع منّة الله وفضله عليه أن وفقه وأعانه .. ويبحث في عمله .. وكيف أنه لم يؤده على الوجه المطلوب .. بل شابه من الآفات ما يمنع قبوله عند الله .. فيجتهد في السير .. وإلا تعلق القلب بالعمل .. ورضاه عنه .. وانشغاله به عن المعبود .. حجاب .. فإن رضا العبد بطاعته .. دليل على حسن ظنه بنفسه .. وجهله بحقيقة العبودية .. وعدم علمه بما يستحقه الرب جلّ جلاله .. ويليق أن يعمل به .. وحاصل ذلك أن جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها .. وعيوب عمله .. وجهله بربه وحقوقه .. وما ينبغي أن يعامل به .. يتولد منها رضاه بطاعته .. وإحسان ظنه بها .. ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات .. ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة .. فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها ..

ولله درّ من قال: متى رضيت نفسك وعملك لله فاعلم أنه غير راض به .. ومن عرف أن نفسه مأوى كل عيب وشر .. وعمله عرضة لكل آفة ونقص .. كيف يرضى الله نفسه وعمله؟!

وكلما عظم الله في قلبك .. صغرت نفسك عندك .. وتضاءلت القيمة التي تبذلها في تحصيل رضاه .. وكلما شهدت حقيقة الربوبية. وحقيقة العبودية .. وعرفت الله .. وعرفت النفس .. تبين لك أن ما معك من البضاعة .. لا يصلح للملك الحق .. ولو جئت بعمل الثقلين خشيت عاقبته .. وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله .. ويثيبك عليه بكرمه وجوده وتفضله.

فحينها تتبرأ من الحول والقوة .. وتفهم أن لا حول ولا قوة إلا بالله .. فينقشع هذا الحجاب.

هذه هي الحجب العشرة بين العبد وبين الله .. كل حجاب منها أكبر وأشد كثافة من الذي قبله. أرأيت يا عبد الله كم حجاب يفصلك اليوم عن ربك سبحانه وتعالى؟! .. قل لي بربك: كيف يمكنك الخلاص منها؟!

فاصدق الله .. واصدق في اللجوء إليه .. لكي يزيل الحجب بينك وبينه .. فإنه لا ينسف هذه الحجب إلا الله ..

[*] قال ابن القيّم رحمه الله: (فهذه عشرة حجب بين القلب وبين الله سبحانه وتعالى .. تحول بينه وبين السير إلى الله .. وهذه الحجب تنشأ عن أربعة عناصر .. أربعة مسميات هي: النفس .. الشيطان .. الدنيا .. الهوى .. ).

فلا يمكن كشف هذه الحجب مع بقاء أصولها وعناصرها في القلب البتة .. لا بد من نزع تلك الأربعة لكي تنزع الحجب التي بينك وبين الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>