للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفصل الخطاب في هذه المسألة أن دفع شر شياطين الإنس بدفع إساءتهم إليه بالتي هي أحسن والإعراض عن الجاهلين، ودفع شر شياطين الجن يكون بالاستعاذة منهم.

قال تعالى: {وَلا تَسْتَوِى الحسَنَةُ وَلا السيَّئِّةُ ادْفَعْ بِالتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإذَا الّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَه عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ} [فصلت: ٣٤].

فهذا لدفع شر شياطين الإنس ثم قال: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [فصلت: ٣٦]

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩].

فأمره بدفع شر الجاهلين بالإعراض عنهم، ثم أمره بدفع شر الشيطان بالاستعاذة منه فقال: {وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: ٢٠٠].

[*] • قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان:

فالقرآن أرشد إلى دفع هذين العدوين بأسهل الطرق بالاستعاذة والإعراض عن الجاهلين ودفع إساءتهم بالإحسان. وأخبر عن عظم حظ من لَقَّاه ذلك فإنه ينال بذلك كف شر عدوه وانقلابه صديقا، ومحبة الناس له، وثناءهم عليه، وقهر هواه، وسلامة قلبه من الغل والحقد وطمأنينة الناس ـ حتى عدوه ـ إليه. هذا غير ما يناله من كرامة الله وحسن ثوابه ورضاه عنه، وهذا غاية الحظ عاجلاً وآجلاً، ولما كان ذلك لا ينال إلا بالصبر قال: {وما يُلَقَّاها إلا الذين صبروا} [فصلت: ٣٥] فإن النَّزِق الطائش لا يصبر على المقابلة.

• على من يتسلط الشيطان:

أكد القرآن الكريم بما لا يدع مجالاً للشك أن الشيطان ليس سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون وإنما سلطانه على أهل الشرك وعلى من تولاه.

قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكّلُونَ * إِنّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشرِكُونَ} [النحل: ٩٩ - ١٠٠].

فتضمن ذلك أمرين: أحدهما نفي سلطانه وإبطاله على أهل التوحيد والإخلاص. والثاني إثبات سلطانه على أهل الشرك وعلى من تولاه.

ولما علم عدو الله أن الله تعالى لا يسلطه على أهل التوحيد والإخلاص قال: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلَصِينَ} [ص: ٨٢ - ٨٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>