للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا قام بمن يعظمه، ويحترمه، ويخضع له من الذنوب أضعاف ما قام بهذا فتح له باب المعاذير والرجاء، وأغمض عنه عينيه وسمعه، وكف لسانه وقلبه، وقال: باب العصمة عن غير الأنبياء مسدود، وربما ظن أن ذنوب من يعظمه تُكفَّر بإجلاله وتعظيمه وإكرامه إياه.

فإذا أراد الله بهذا العبد خيراً ألقاه في ذنب يكسره به، ويُعَرِّفه قدره، ويكفي به عباده شره، وينكس به رأسه، ويستخرج به داء العجب، والكبر، والمنة عليه، وعلى عباده؛ فيكون هذا الذنب أنفع له من طاعات كثيرة، ويكون بمنزلة شرب الدواء؛ ليستخرج به الداء العضال (١)، وهذا سر بديع من أسرار التوبة.

(ومن أسرار التوبة: أن اسم " الرزّاق " يقتضى مرزوقاً، و " السميع البصير" يقتضى مسموعاً ومبصرا، كذلك أسماء " الغفور، العفو، التواب" يقتضى من يغفر له ويتوب عليه ويعفو عنه، ويستحيل تعطيل هذه الأسماء والصفات.

وقد أشار إلى هذا أعلم الخلق بالله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الآتي:

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وَلَجَاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم.

(ومن أسرارها: أن الله تعالى يفرح بتوبة العبد كما في الحديث الآتي:

(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم إذا سقط عليه بعيره قد أضله بأرض فلاة.

(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته أرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ".


(١) مدارج السالكين ١/ ٣٠٧_٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>