للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى في حق يوسف عليه السلام: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:٢٤]

فالله يصرف عن عبده ما يسوؤه من الميل إلى الصور، والتعلق بها، ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه لله.

ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبودية لله والإخلاص له، بحيث تغلبه نفسه على اتباع هواها؛ فإذا ذاق طعم الإخلاص، وقوي في قلبه انقهر بلا علاج (١).

وقال عن يوسف عليه السلام: فأخبر سبحانه أنه صرف عن يوسف السوء من العشق، والفحشاء من الفعل بإخلاصه؛ فإن القلب إذا أُخْلِص وأَخْلَص عمله لله_لم يتمكن منه عشق الصور؛ فإنه إنما يتمكن من القلب الفارغ (٢).

(وقال أيضاً: وبذلك يصرف عن أهل الإخلاص لله السوء والفحشاء، كما قال تعالى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:٢٤]

فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته ما يمنعه من محبة غيره؛ إذ ليس عند القلب السليم أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أسر، ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله، ومحبته له، وإخلاص الدين له.

وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله، فيصير القلب منيباً إلى الله، خائفاً منه، راغباً، راهباً (٣).

(وقال أيضاً: وإذا كان العبد مخلصاً لله اجتباه ربه، فأحيا قلبه، واجتذبه إليه،؛ فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء، ويخاف من ضد ذلك.

بخلاف القلب الذي لم يخلص لله؛ فإن فيه طلباً، وإرادة، وحباً مطلقاً، فيهوي كل ما يسنح له، ويتشبث بما يهواه كالغصن أي نسيم مرَّ به عطفه، وأمالَهُ؛ فتارة تجتذبه الصور المحرمة وغير المحرمة، فيبقى أسيراً عبداً لمن لو اتخذه هو عبداً له لكان ذلك عيباً ونقصاً وذماً.

وتارة يجتذبه الشرف والرئاسة، فترضيه الكلمة، وتغضبه الكلمة، ويستعبده من يثني عليه ولو بالباطل، ويعادي من يذمه ولو بالحق.

وتارة يستعبده الدرهم والدينار، وأمثال ذلك من الأمور التي تستعبد القلوبَ، والقلوبُ تهواها، فيتخذ إلهه هواه، ويتبع بغير هدى من الله.


(١) العبودية لابن تيمية ص ٩٩.
(٢) العبودية ص ١٠٠.
(٣) العبودية ص ١٣٩_١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>