للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان إسلام أبي بكر رضي الله عنه وليد رحلة إيمانية طويلة في البحث عن الدين الحق الذي ينسجم مع الفطر السليمة ويلبي رغباتها، ويتفق مع العقول الراجحة، والبصائر النافذة، فقد كان بحكم عمله التجاري كثير الأسفار، قَطَعَ الفيافي، والصحاري، والمدن والقرى في الجزيرة العربية وتنقل من شمالها إلى جنوبها، وشرقها إلى غربها، واتصل اتصالاً وثيقاً، بأصحاب الديانات المختلفة وبخاصة النصرانية، وكان كثير الإنصات لكلمات النفر الذين حملوا راية التوحيد، راية البحث عن الدين القويم (١)، فقد حدّث عن نفسه فقال: كنت جالساً بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نُفيْل قاعداً، فمرّ ابن أبي الصَّلْتِ، فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير؟ قال: بخير، قال: وهل وجدت؟ قال: لا، فقال: ... كل دين يوم القيامة إلا: ... ما مضَى في الحنيفية بُور (٢) أما إنّ هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم، قال: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي يُنتظر ويُبعث، قال: فخرجت أريد ورقة بن نوفل -وكان كثير النظر إلى السماء، كثير همهمة الصّدر- فاستوقفته، ثم قصصت عليه الحديث، فقال: نعم يا ابن أخي، إنّا أهل الكتب والعلوم، ألا إن هذا النبي الذي يُنتظر من أوسط العرب نسباً -ولي علم بالنسب- وقومك أوسط العرب نسباً. قلت: يا عمّ وما يقول النبي؟ قال: يقول ماقيل له؟ إلا إنّه لا يظلم، ولا يُظلم ولا يُظالم، فلما بُعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آمنت به وصدّقته (٣)، وكان يسمع ما يقوله أمية بن أبي الصلت:

في مثل قوله: ألا نبي لنا منا فيخبرنا ... مابعد غايتنا من رأس مجرانا

إني أعوذ بمن حج الحجيج له ... والرافعون لدين الله أركانا


(١) مواقف الصديق مع النبي بمكة، د. عاطف لماضة، ص٦.
(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص٥٢.
(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>