للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فالحاصل: أن من العلامات أن لا يقدم العبد شيئاً على الله لا ولده ولا والده ولا الناس ولا أي شهوة، ومن آثر على الله شيئاً من المحبوبات فقلبه مريض، و إذا كان العبد مؤثراً ما أحبه الله على ما يحبه هو فيكون عند ذلك مقاوماً لداعي الهوى معرضاً عن الكسل مواظباً على الطاعة متقرباً بالنوافل فيظهر الطاعة ولذلك قال الشاعر:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا محال في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع

وهذه ملاحظة مهمة تهم الدعاة في التعامل مع المدعوين وهي أن العصيان لا ينافي أصل المحبة إنما يضاد كمالها. فالمحبة كالإيمان لها أصل ولها كمال، فبحسب المعاصي ينقص الكمال، وإذا دخل المرء في مرحلة الشك والنفاق الأكبر ذهب الأصل وانخلع وانعدم، فالذي ليس في قلبه محبة لله هذا كافر مرتد ومنافق نفاق أكبر، ليس له من الدين نصيب، أما العصاة لا يقال لهم أنه ليس عندهم محبة لله بل يقال محبتهم لله ناقصة وعلى هذا يعَاملون والدليل على هذا الحديث الآتي:

(حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري): أن رجلاً على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تلعنوه، فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله).

يحب الله ورسوله: يعني عنده أصل المحبة، وعنده نقص بقدر ما عصا. ولأن هذا صحابي فلا نتكلم فيه في ذاته بل وإنما الشاهد الإتيان بالحديث لنبين أن المعصية لا تنفي أصل المحبة، وقد يكون الرجل قد تاب وختم له بخير فنحفظ حقوق صحابة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى الذين عصوا منهم، ومعروف أن الحدود تكفر المعاصي. وهذا ما ينبغي التعامل به مع صحابة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى الذين ورد في الأحاديث أنهم وقعوا في المعاصي، فإنهم عند الله بمكان عظيم حتى العاصي منهم كان يخرج للجاهد و يقدم نفسه وروحه فداء لله ورسوله، وعندهم طاعات عظيمة قد تكون أكب بكثير مما فعلوا من السيئات.

<<  <  ج: ص:  >  >>