للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قال صاحب المنازل: التهذيب: محنة أرباب البدايات وهو شريعة من شرائع الرياضة يريد: أنه صعب على المبتدي فهو له كالمحنة وطريقة للمرتاض الذي قد مرن نفسه حتى اعتادت قبوله وانقادت إليه.

قال: وهو على ثلاث درجات. الأولى: تهذيب الخدمة؛ أن لا يخالجها جهالة. ولا يشوبها عادة، ولا يقف عندها همة.

أي: تخليص العبودية، وتصفيتها من هذه الأنواع الثلاثة.

وهي: «مخالجة الجهالة، وشوب العادة، ووقوف همة الطالب عندها»

(النوع الأول: مخالطة الجهال. فإن الجهالة متى خالطت العبودية، أوردها العبد غير موردها. ووضعها في غير موضعها، وفعلها في غير مستحقها، وفعل أفعالا يعتقد أنها صلاح. وهي إفساد لخدمته وعبوديته، بأن يتحرك في موضع السكون، أو يسكن في موضع التحرك. أو يفرق في موضع جمع، أو يجمع في موضع فرق، أو يطير في موضع سفوف، أو يسف في موضع طيران، أو يقدم في موضع إحجام، أو يحجم في موضع إقدام، أو يتقدم في موضع وقوف، أو يقف في موضع تقدم. ونحو ذلك من الحركات، التي هي في حق الخدمة كحركات الثقيل البغيض في حقوق الناس.

فالخدمة ما لم يصحبها علم ثان بآدابها وحقوقها، غير العلم بها نفسها، كانت في مظنة أن تبعد صاحبها، وإن كان مراده بها التقرب. ولا يلزم حبوط ثوابها وأجرها فهي إن لم تبعده عن الأجر والثواب أبعدته عن المنزلة والقربة. ولا تنفصل مسائل هذه الجملة إلا بمعرفة خاصة بالله وأمره، ومحبة تامة له، ومعرفة بالنفس وما منها.

(النوع الثاني: شوب العادة: وهو أن يمازج العبودية حكم من أحكام عوائد النفس تكون منفذة لها، معينة عليها، وصاحبها يعتقدها قربة وطاعة، كمن اعتاد الصوم ـ مثلا ـ وتمرن عليه. فألفته النفس، وصار لها عادة تتقاضاها أشد اقتضاء. فيظن أن هذا التقاضي محض العبودية. وإنما هو تقاضي العادة.

(وعلامة هذا أنه إذا عرض عليها طاعة دون ذلك، وأيسر منه، وأتم مصلحة لم تؤثرها إيثارها لما اعتادته وألفته. كما حكي عن بعض الصالحين من الصوفية قال: حججت كذا وكذا حجة على التجريد، فبان لي أن جميع ذلك كان مشوبا بحظي. وذلك أن والدتي سألتني أن أستقي لها جرعة ماء. فثقل ذلك على نفسي. فعلمت أن مطاوعة نفسي في الحجات كان بحظ نفسي وإرادتها. إذ لو كانت نفسي فانية لم يصعب عليها ما هو حق في الشرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>