للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الصبر لغة: هو المنع والحبس قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف: ٢٨]، يعني احبس نفسك معهم، والصبر حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما، ويقال صبر يصبر صبراً، وصبَر نفسه.

[*] (قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى:

الصبر في اللغة الحبس وكل من حبس شيئا فقد صبره ومنه المصبورة التي نهى عنها وهي الدجاجة ونحوها تتخذ غرضا وترمى حتى تقتل وسمى رمضان شهر الصبر لأنه شهر تحبس فيه النفس عما تنازع إليه من المطعم والمشرب والمنكح والصابر حابس لنفسه عما تنازع إليه من المشتهى أو شكوى ألم وسمى الصابر في المصيبة صابرا لأنه حبس نفسه عن الجزع.

[*] (وحكى أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء أنه قال إنما سُمِّيَ الصبر صبرا لأن تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصبر في الفم.

واعلم وفقك الله أن الصبر مما يأمر به العقل وإنما الهوى ينهى عنه فإذا فوضلت فوائد الصبر وما تجلب من الخير عاجلا وآجلا بانت حينئذ فضائل العقل وخساسة الهوى.

(وقال أيضاً: ولا يقدر على استعمال الصبر إلا من عرف عيب الهوى وتلمح عقبي الصبر فحينئذ يهون عليه ما صبر عليه وعنه، وبيان ذلك بمثل وهو أن امرأة مستحسنة مرت على رجلين فلما عرضت لهما اشتهيا النظر إليها فجاهد أحدهما نفسه وغض بصره فما كانت إلا لحظة ونسي ما كان، وأوغل الآخر في النظر فعلقت بقلبه فكان ذلك سبب فتنته وذهاب دينه فبان لك أن مداراة المعصية حتى تذهب أسهل من معاناة التوبة حتى تقبل وقد قال بعض السلف من تخايل الثواب خف عليه العلم. أهـ

(والصبر شرعا: فهو حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب، ونحوهما.

وقيل: هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها.

[*] سئل عنه الجنيد فقال: " تجرع المرارة من غير تعبس ".

[*] وقال ذو النون المصري: " هو التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غُصص البلية، وإظهار الغنى مع الحلول الفقر بساحات المعيشة ".

وقيل: " الصبر هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب ".

وقيل: " هو الغنى في البلوى بلا ظهور شكوى ".

ورأى أحد الصالحين رجلاً يشتكى إلى أخيه فقال له: يا هذا، والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك.

<<  <  ج: ص:  >  >>