للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(حديث أبي سعيد في الصحيحين) قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه.

(حديث أبي مسعودٍ الأنصاري في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.

(ثم قال رحمه الله تعالى:

وفي هذا قولان:

أحدهما: أنه أمر تهديد ومعناه الخبر أي من لم يستح صنع ما شاء.

والثاني: أنه أمر إباحة أي انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحيى منه فافعله والأول أصح وهو قول الأكثرين.

(حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: استحيوا من الله تعالى حق الحياء، قلنا يا نبي الله إنا لنستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس و ما وعى والبطن و ما حوى وتذكر الموت و البِلى و من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.

(تعريف الحياء:

الحياء خُلق يبعث على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق، فالحياء مشتق من الحياة, فعلى قدر حياة القلب يكون الحياء. والحياء قسمان: حياء جبلي فطري وحياء مكتسب.

(القسم الاول الحياء الفطري: وهو ما فطر الله الإنسان عليه كحياء الرجل والمرأة من كشف العورة أمام الناس ... ومن جنس هذا الحياء حياء آدم وحواء لما أكلا من الشجرة المحرمة فبدت سوءاتهما فأسرعا بالجبلة والفطرة بستر هذه العورة بورق من شجر الجنة, قال تعالى: (فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ) [طه: ١٢١]

(القسم الثاني الحياء المكتسب: وهو الحياء الإيماني الذي يحجب ويمنع المؤمن من فعل المعاصي والدنايا حياء من الله سبحانه وتعالى, وهذا الحياء يتولد في القلب «من رؤية النعم مع رؤية التقصير في حق المنعم» فيستحيي العبد حينئذ من الله, إذ يرى نعم الله عليه تتوالى ويرى تقصيره لا ينقطع في حق سيده ومولاه.

لذلك لما احتضر الاسود بن يزيد رحمه الله تعالى بكى بكاء المرأة الثكلى, فدخل عليه بعض أحبابه وقالوا: ماهذا الجزع؟ لم هذا البكاء؟ فقال الأسود بن يزيد: ومالي لا أجزع, ومن أحق بذلك مني؟ ثم نظر إلى السماء وهو على فراش الموت وقال: والله وإن غفر لي ذنوبي لاستحييت منه مما صنعت يداي.

<<  <  ج: ص:  >  >>