للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثاله إذا كان معك ماء يكفي لوضوء رجل واحد، وأنت لست على وضوء، وهناك صاحب لك ليس على وضوء فالماء لك، لكن إما أن يتوضأ به صاحبك وتتيمم أنت، أو تتوضأ أنت ويتيمم صاحبك، ففي هذه الحال لا يجوز أن تعطيه الماء وتتيمم أنت؛ لأنك واجد للماء، والماء في ملكك، ولا يجوز العدول عن الماء إلى التيمم إلا لعادم.

فالإيثار في الواجبات الشرعية حرام، ولا يحل؛ أنه يستلزم إسقاط الواجب عليك.

(القسم الثاني (وهو المكروه):

فالإيثار بالأمور المستحبة، وقد كرهه بعض أهل العلم وأباحه بعضهم، لكن تركه أولى لا شك إلا لمصلحته.

ومثاله: أن تؤثر غيرك في الصف الأول الذي أنت فيه، مثل أن تكون أنت في الصف الأول في الصلاة، فيدخل إنسان فتقوم عن مكانك وتؤثره به، فقد كره أهل العلم هذا، وقالوا: إن هذا دليلٌ على أن الإنسان يرغب عن الخير، والرغبة عن الخير مكروهة، إذ كيف تقدم غيرك إلى مكان فاضل أنت أحق به منه؟!

وقال بعض العلماء: تركه أولى إلا إذا كان فيه مصلحة، كما لو كان أبوك وتخشى أن يقع في قلبه شيء عليك فتؤثره بمكانك الفاضل، فهذا لا بأس به.

(القسم الثالث (المباح):

وهذا المباح قد يكون مستحباً، وذلك أن تؤثر غيرك في أمر غير تعبدي، أي تؤثر غيرك وتقدمه على نفسك في أمر غير تعبدي.

مثل: أن يكون معك طعام وأنت جائع، وصاحب لك جائع مثلك ففي هذه الحال إذا آثرته فإنك محمود على هذا الإيثار؛ لقول الله تبارك وتعالى في وصف الأنصار: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ َ) [الحشر:٩].

ووجه إيثارهم على أنفسهم أن المهاجرين لم قدموا المدينة تلقاهم الأنصار بالإكرام والاحترام والإيثار بالمال، حتى أن بعضهم يقول لأخيه المهاجري: إن شئت أن أتنازل عن إحدى زوجتي لك فعلت؛ يعني يطلقها فيتزوجها المهاجريّ بعد بمضي عدتها. وهذا من شدة إيثاره رضي اله عنهم لإخوانهم المهاجرين.

وقال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) [الانسان:٨]

يعني يطعمون الطعام وهم يحبونه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، ويتركون أنفسهم، هذا أيضاً من باب الإيثار.

((درجات الإيثار:

<<  <  ج: ص:  >  >>