للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) [غافر: ٣٩، ٤٠]

كانت هذه الحقائق قد استقرت في قلب أبي بكر، فترِفَّع رضي الله عنه عن الدنيا وحطامها وزهد فيها،

وهاك بعض صور زهده رضي الله عنه:

- يتجلى زهد الفاروق عمر رضي الله عنه في إنفاقه للمال في سبيل الله تعالى: فقد وَعَى حقيقة الزهد بحذافيره وأيقن أن الزهد ليس بأن لا تملك المال بل الزهد أن تملك الدنيا كلها لكنها تكون في يدك وليست في قلبك، كانت الدنيا في يده ولم تقترب من قلبه الشريف رضي الله عنه فكان آيةً في الجود والسخاء والبذل والإنفاق في سبيل الله تعالى، ويتجلى ذلك في المواقف الآتية:

(١) إنفاقه نصف ماله في غزوة تبوك:

علم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه كيف ينفقون الأموال وما أعطاهم الله تبارك وتعالى في سبيل الله ومواقع رضاء الله، وكيف كان ذلك أحبَّ إليهم من الإِنفاق على أنفسهم، وكيف كانوا يُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. وقد ضرب الفاروق عمر أروع المثل في ذلك يوم أنفق نصف ماله.

حث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصحابة في غزوة تبوك على الإنفاق بسبب بعدها، وكثرة المشركين فيها، ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله، فأنفق كل حسب مقدرته وكان عثمان - رضي الله عنه - صاحب القدح المعلى في الإنفاق في هذه الغزوة (١).

وتصدق عمر بن الخطاب بنصف ماله وظن أنه سيسبق أبابكر بذلك ونترك الفاروق يحدثنا بنفسه عن ذلك.

(حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي) قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال [لي] رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "" ما أبقيت لأهلك؟ "" فقلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر [رضي الله عنه] بكل ما عنده، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "" ما أبقيت لأهلك؟ "" قال: أبقيت لهم الله ورسوله قلت: لا أسابقك إلى شىء أبدا.

[*] قال صاحب تحفة الأحوذي:

قَوْلُهُ: (أَنْ نَتَصَدَّقَ) أَيْ: فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ


(١) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص٦١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>