للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ومن أسرارها ألا يقترح على ربه، ولا يسأله ما ليس له به علم؛ فلعل فيه مضرَّتَه وهو لا يعلم؛ فلا يختار على ربه، بل يسأله حسن العاقبة فيما يختار له؛ فلا أنفع له من ذلك.

(ولهذا من لطف الله _ تعالى _ لعبده أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية، التي يظن بها إدراك بغيته، فيعلم الله أنها تضره، وتصده عما ينفعه، فيحول بينه وبينها، فيظل العبد كارهًا، ولم يدْرِ أن ربه قد لطف به؛ حيث أبقى له الأمر النافع، وصرف عنه الأمر الضار. (١)

(٨) الدخول في زمرة المحبوبين لله تعالى:

فالذين يدعون ربهم، ويبتلون بتأخر الإجابة عنهم _ يدخلون في زمرة المحبوبين، المُشَرَّفِين بمحبة رب العالمين؛ فهو _ سبحانه _ إذا أحب قومًا ابتلاهم. (٢)

وقد جاء في السنة ما يشير إلى أن الابتلاء دليل على محبة الله للعبد؛

(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء و إن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط.

(حديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه و إن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض و ما عليه خطيئة.

(٩) أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والعكس بالعكس:

فإذا صحت معرفة العبد بربه علم يقينًا أن المكروهات التي تصيبه، والمحن التي تنزل به، والتي منها تأخر إجابة الدعاء _ أنها تحمل في طياتها ضروبًا من المصالح والمنافع لا يحصيها علمه، ولا تحيط بها فكرته.

بل إن مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يحب؛ فعامة مصالح النفوس في مكروهاتها، كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها.

قال تعالى: (فَعَسَىَ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء / ١٩]

قال تعالى: (وَعَسَىَ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَعَسَىَ أَن تُحِبّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرّ لّكُمْ) [البقرة / ٢١٦]


(١) المواهب الربانية من الآيات القرآنية للشيخ ابن سعدي، اعتنى بها سمير الماضي ص١٥١.
(٢) انظر برد الأكباد ص٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>