للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا فقال تعالى (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) وقال (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك.

الشاهد: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فأنى يستجاب لذلك) وهو استفهام واقع على وجه التعجب والاستبعاد. أي كيف يدعو هذا الآكل للحرام وينتظر الإجابة مع تيقنه من سوء فعاله، نسأل الله أن يطعمنا الحلال ويجنبنا مهاوى الضلال إنه ولى ذلك والقادر عليه.

(١٤) ظهورآثار أسماء الله تعالى:

فمن أسماء الله _ عز وجل _ المعطي، المانع، الحكم، العدل، الكريم، العليم، البر، الرحيم، المالك، الحكيم.

وهذه الأسماء تستدعي متعلقات تظهر فيها أحكامها، ومقتضياتها، وآثارها؛ فتأخر الإجابة من أسباب ظهور تلك الآثار، والمقتضيات والأحكام.

فقد يمنع _ عز وجل _ أحدًا من الناس؛ لحكمته، وعدله، وعلمه.

وقد يعطي برحمته _ عز وجل _، وحكمته، وبره، وعلمه.

(١٥) تكميل مراتب العبودية للأولياء:

فالله تعالى يحب أولياءه، ويريد أن يكمل لهم مراتب العبودية، فيبتليهم بأنواع من البلاء، ومنها تأخر إجابة الدعاء؛ كي يتَرَقَّوا في مدارج الكمال ومراتب العبودية؛ فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته، وكلما ازداد العبد تحقيقًا للعبودية ازداد كماله، وعلت درجته. (١)

فأنفع الأشياء للعبد على الإطلاق طاعته لربه بظاهره وباطنه، وأضر الأشياء عليه معصيته لربه بظاهره وباطنه.

فإذا قام بطاعته وعبوديته مخلصًا له _ فكل ما يجري عليه مما يكرهه يكون خيرًا له.

وإذا تخلى عن طاعته وعبوديته _ فكل ما هو فيه من محبوبٍ شرٌّ له.

فإذا تدبر العبد ذلك تشاغل بما هو أنفع له من حصول ما فاته.

[*] (هذا ومن تلك العبوديات التي تحصل من جراء تأخر إجابة الدعاء ما يلي:

(أ) انتظار الفرج:

فانتظار الفرج من أجل العبوديات وأعظمها، فكلما اشتد انتظار الفرج كلما ازدادت ثقة العبد بربه، فيزداد بذلك قربًا من الله، وأُنْسًا به _عز وجل _.

ولو عجلت له الإجابة لربما فاتته هذه العبودية.

[*] قال ابن القيم رحمه الله تعالى:


(١) العبودية لابن تيمية ص٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>