للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَدَخَلَ أَبُو حَازِمٍ عَلَى بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ مَا الْمَخْرَجُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ: تَنْظُرْ مَا عِنْدَك فَلاَ تَضَعْهُ إلا فِي حَقِّهِ، وَمَا لَيْسَ عِنْدَك فَلاَ تَأْخُذْهُ إلا بِحَقِّهِ. قَالَ: وَمَنْ يُطِيقُ هَذَا يَا أَبَا حَازِمٍ؟ قَالَ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مُلِئَتْ جَهَنَّمُ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

(وَقِيلَ لِأَبِي حَازِمٍ رضي الله عنه: مَا مَالُك؟ قَالَ: شَيْئَانِ: الرضا عَنْ اللَّهِ، وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ. وَقِيلَ لَهُ: إنَّك لَمِسْكِينٌ. فَقَالَ: كَيْفَ أَكُونُ مِسْكِينًا وَمَوْلاَيَ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى.

(وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الزُّهْدُ بِصِحَّةِ الْيَقِينِ، وَصِحَّةُ الْيَقِينِ بِنُورِ الدِّينِ، فَمَنْ صَحَّ يَقِينُهُ زَهِدَ فِي الثَّرَاءِ، وَمَنْ قَوِيَ دِينُهُ أَيْقَنَ بِالْجَزَاءِ، فَلاَ تَغُرَّنَّكَ صِحَّةُ نَفْسِك، وَسَلاَمَةُ أَمْسِك، فَمُدَّةُ الْعُمُرِ قَلِيلَةٌ، وَصِحَّةُ النَّفْسِ مُسْتَحِيلَةٌ.

(واعلم رحمك الله تعالى أن من أحوال رياضتك لَهَا أَنْ تَكْشِفَ لِنَفْسِك حَالَ أَجَلِك، وَتَصْرِفَهَا عَنْ غُرُورِ أَمَلِكَ حَتَّى لاَ يُطِيلُ لَك الأمَلُ أَجَلاً قَصِيرًا، وَلاَ يُنْسِيك مَوْتًا وَلاَ نُشُورًا.

فإنَّ الأيام تُطْوَى، وَالاعْمَارَ تَفْنَى، وَالابْدَانَ تُبْلَى، وَإِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَتَرَاكَضَانِ كَتَرَاكُضِ الْبَرِيدِ، يُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيُخْلِقَانِ كُلَّ جَدِيدٍ، وَفِي ذَلِكَ عِبَادَ اللَّهِ مَا أَلْهَى عَنْ الشَّهَوَاتِ، وَرَغَّبَ فِي الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ.

وكَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْمًا وَلَيْسَ يَسْتَكْمِلُهُ، وَمُنْتَظِرٍ غَدًا وَلَيْسَ مِنْ أَجَلِهِ. وَلَوْ رَأَيْتُمْ الأجَلَ وَمَسِيرَهُ، لأبْغَضْتُمْ الأمَلَ وَغُرُورَهُ.

(وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إنْ قُلْتُمْ سَمِعَ، وَإِنْ أَضْمَرْتُمْ عَلِمَ، وَبَادِرُوا الْمَوْتَ الَّذِي إنْ هَرَبْتُمْ أَدْرَكَكُمْ، وَإِنْ أَقَمْتُمْ أَخَذَكُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>