للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول عنه قتادة: ما رأيت أحدًا قط أعلم بالحلال والحرام منه، ويكفي ابن المسيب فخرًا أن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز كان أحد تلاميذه، ولما تولى عمر إمارة المدينة لم يقض أمرًا إلا بعد استشارة سعيد، فقد أرسل إليه عمر رجلاً يسأله في أمر من الأمور، فدعاه، فلبي الدعوة وذهب معه، فقال عمر بن عبد العزيز له أخطأ الرجل، إنما أرسلناه يسألك في مجلسك.

[الصورة العامة لعصر سعيد بن المسيب:]

عاش سعيد بن المسيب في عنق الزجاجه في الفترة الانتقالية بين الخلافة الرشيدة والملك الأموي العضوض، حيث ولد في المدينة قبيل وفاة عمر بن الخطاب بعامين ومات سنة ٩٤هـ، في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد استقرار الحكم الاستبدادي في ذرية عبد الملك بن مروان.

أي أن سعيد بن المسيب أدرك من حيث الفترة الزمنية أخطر أحداث التاريخ الإسلامي التي لا تزال تؤرق الضمير المسلم حتى الآن، شهد اغتيال عمر بن الخطاب، وشهد الاختلاف علي عثمان، وشهد مصرعه، وعاش الفتنة الكبرى من مواقع الجمل وصفين و النهروان، وشهد انتقال الخلافة إلي معاوية، وتحولها إلى ملك وراثي يستبد بها يزيد بن معاوية، وشهد في عصر يزيد مقتل الحسين وآله في كربلاء، ثم في العام التالي شهد موقعة الحرة وثورة المدينة، وهزيمتها واقتحامها واستباحتها وقتل أهلها وانتهاك حرمتها، وشهد حصار الأمويين للكعبة وضربها بالمجانيق، وإعلان ابن الزبير خلافته، والصراع بين ابن الزبير والأمويين، ومقتل ابن الزبير، وانفراد عبد الملك بن مروان بالحكم، ثم غدر عبد الملك بأبناء عمه الأمويين بعد اتفاقية الجابية، وإسناده ولاية العهد لابنيه الوليد ثم سليمان، ومات سعيد في خلافة الوليد بن عبد الملك.

عاش سعيد كل هذه الأحداث الجسام وهو في المدينة، لم يبرحها إلا إلى مكة للحج، أو بمعني آخر شهد سعيد بن المسيب عظمة المدينة المنورة كعاصمة للمسلمين، ثم شهد انتقال الأضواء عنها إلى الكوفة ثم إلى دمشق .. أي انه شهد المدينة وهي تداوي جراحها السياسية بعد أن عجزت عن استعادة دورها السياسي بعد هزيمتها في موقعة الحرة، وتحولها إلى مدرسة علمية تحاول أن تنافس العراق في الفقه والتاريخ والتفسير والحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>