للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: (فَمِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ رَبّنَآ آتِنَا فِي الدّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ * وِمِنْهُمْ مّن يَقُولُ رَبّنَآ آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ) [البقرة:٢٠٠ - ٢٠١].

وكذلك ليس ذم الدنيا راجعاً إلى مكان الدنيا وهو الأرض، وما أودع فيها من جبال وبحار وأنهار ومعادن، فإن ذلك كله من نعم الله على عباده، لما لهم فيها من المنافع، والاعتبار، والاستدلال على وحدانية الصانع سبحانه، وقدرته وعظمته، وإنما الذم راجع إلى أفعال بنى آدم الواقعة فى الدنيا، لأن غالبها واقع على غير الوجه الذى تحمد عاقبته، كما قال عز وجل: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ والأولاد َ} (الحديد: من الآية: ٢٠).

وإنما الذم الوارد فى الكتاب والسنّة راجع إلى زمانها الذى هو الليل والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة، فإن الله عز وجل جعلهما خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شُكوراً.

[*] وورد فى الأثر: " إن هذا الليل والنهار خزانتان فانتظروا ماتصنعون فيهما ".

[*] وقال مجاهد: " ما من يوم إلا يقول: ابن آدم: قد دخلت، عليك اليوم ولن أرجع إليك بعد اليوم فانظر ماذا تعمل فى، فإذا انقضى طوى، ثم يختم عليه فلا يفك حتى يكون الله هو الذى يقضيه يوم القيامة ".

إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريقٌ والليالى متجرُ الإنسان والأيام سوقٌ فالوقت هو رأس مال العبد، وقد صح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة فى الجنة " (١).

فانظر إلى مُضَيع الساعات كم يفوته من النخيل.

وكان أحد الصالحين إذا أثقل الناس فى الجلوس عنده يقول: "أما تريدون أن تقوموا، إن ملك الشمس يجرها لا يفتر ".

وقال رجل لأحد العلماء: " قف أكلمك " قال: " أوقف الشمس ".

- والآخرة هي الباقية، وهى دار القرار:

كما قال مؤمن آل فرعون:


(١) تقدم تخريجه ص (٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>