للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تعلق الأمر بالمعدوم]

هذه المسألة من المسائل الكلامية التي لا أثر لها في الفقه. ولكني رأيت كثيراً من الدارسين لا يعرف حقيقتها، ولا الباعث عليها، فأردت إيضاحها، فأقول:

هذه المسألة من المسائل التي أثارها المعتزلة ضد خصومهم من الأشعرية القائلين إن كلام الله قديم أزلي، فأوردوا عليهم سؤالاً مضمونه: لو كان كلام الله أزلياً لتعلق الأمر بالمأمورين قبل وجودهم، لأن كلام الله في الأزل عندهم أمر ونهي، ولا يمكن أن يكون أمر بلا مأمور.

فلما أورد المعتزلة عليهم هذا السؤال اضطروا إلى الالتزام بما يترتب على قولهم من لوازم فاسدة فقالوا: يتوجه الأمر للمعدوم. فلما شنّع عليهم العقلاء هذا القول قالوا: إن الأمر هنا ليس ناجزاً بل معلقاً على شرط الوجود.

قال إمام الحرمين: «وهذه المسألة إنما رسمت لسؤال المعتزلة، إذ قالوا: لو كان الكلام أزلياً لكان أمراً، ولو كان أمراً لتعلق بالمخاطب في عدمه، فإذا بينا أنه لا يمتنع ثبوت الأمر من غير ارتباط بمخاطب فقد اندفع السؤال، فآل الأمر إلى أن المعدوم مأمور على شرط الوجود، وهذا منتهى مذهب الشيخ - رضي الله عنه -. فأقول: إن ظن ظان أن المعدوم مأمور، فقد خرج عن حد المعقول وقول القائل: إنه مأمور على تقدير الوجود تلبيس، فإنه إذا وجد ليس معدوماً، ولا شك أن الوجود شرط في كون المأمور مأموراً» (١).

وإمام الحرمين قد انتهى به الأمر إلى تأجيل النظر في حل هذا المعضل فقال:


(١) البرهان ١/ ٢٧٤.

<<  <   >  >>