للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للمتقدِّم.

واشترط بعضُهم أنْ يكونَ الترجيحُ بصيغةٍٍ في الدليل، لا بدليلٍ مستقلٍّ.

والصواب: عدمُ اشتراط ذلك؛ لأنه يمكنُ أنْ يتساوى الدليلان ويترجَّحُ أحدُهما بموافقة دليلٍ آخَرَ. وستأتي أمثلةُ ذلك.

[حكم الترجيح]

يجب على المجتهد إذا تعارض عنده دليلان في الظاهر، ولم يتمكنْ من الجمع بينهما، ولا القولِ بالنسخ أنْ يبحثَ عمّا يُرجِّحُ أحدَهما؛ ليعملَ بالراجح. وقد حَكى الإجماعَ على العمل بالراجح من الدليلين عند تعارضهما غيرُ واحدٍ.

ونُقل الخلافُ في ذلك عن أبي عبد الله البصري، الملقَّب بـ (جُعل)، وكذلك نُقل عن القاضي الباقلانيّ، ولم يلتفت الفقهاءُ إلى خلافهما.

والدليل على وجوب العمل بالراجح من وجوهٍ، أهمُّها:

١ - قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر٥٥]، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر١٨].

والآيتان دليلٌ على اتّباع الدليل الراجح؛ لأنه أحسنَ من المرجوح.

٢ - أن الدليلين إذا تعذّر الجمعُ بينهما، فإما أنْ يُتركا معاً، أو يُتركَ الراجحُ منهما، أو يُتركُ المرجوحُ.

فالأول باطلٌ؛ لما فيه من الإعراض عن الدليلين، والتسويةِ بين الراجح والمرجوح، وهما لا يستويان عند العقلاء.

والثاني باطلٌ؛ لما فيه من تقديم الضعيف على القويّ، وهو خلافُ مقتضى الشرع والعقل.

<<  <   >  >>